هل نكتفي بالتفسيرات والتأويلات المنقولة عن الماضي لترسيم هويّة الحاضر؟
عبد الصمد مجاهد
كاتب مغربي / الناضور
كل حديث عن الدين يثير جملة من الاسئلة المعلقة والمثيرة للجدل والتي تبقى دائما محط بحث وسؤال ونقاش مفتوح، كثيرة هي الكتب التي تطرقت لقضايا التدين واشكال الاعتقاد وطقوسه، كثيرة هي الاسقاطات والأحكام التي واكبت هذه الكتب وطروحاتها من بين أهم هذه الكتب وأفردها والتي صدرت حديثا: كتاب المفكر والباحث العراقي البارز، د: عبد الحسين شعبان والمعنون ب:* دين العقل وفقه الواقع* مناظرات مع الفقيه السيد احمد الحسيني البغدادي، تكمن أهمية الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في يونيه 2021 في كونه يطرح جملة من القضايا والاشكالات المثيرة للجدل في حوار شيق وعميق مع السيد احمد الحسيني البغدادي وهو فقيه مجتهد وصاحب رأي.
حسب ما يقول د. شعبان ثلاث قضايا لابد من اجتماعها لتطورنا بحسب الشاعر البريطاني: ت.س. اليوت: هي المعلومة والمعرفة والحكمة والأخيرة هي الأعلى درجة وبحسب الفيلسوف الصيني: كونفوشيوس ” الحكمة تعني معرفة الناس” أما الفضيلة فهي حب الناس، فلا يكفي ان تتوافر لدينا المعلومات لتتولد المعارف بل ينبغي الوصول الى الحكمة التي ما تزال غائبة، وتلك تمثل الابداع والابتكار بدلا من التقليد والجمود استخلاصا للتجربة وتساوقا مع التطور التاريخي، وتأتي الحكمة مع العقل الذي هو أساس الدين اذ لا دين خارج العقل، فالأخير هو الشرع الاعلى للإنسان وبالعقل يعالج الانسان شؤونه استنادا الى علوم عصره وكلما تمكن من استيعابها استطاع أن يتساوق مع متطلبات زمنه والسبيل الى ذلك يتم بوعي الذات والحوار ومن خلالهما تتضح الادوات المناسبة، وأي حوار سيكون موجها الى الآخر مثلما هو موجه الى الذات، وهو حوار بصوت مسموع وبصوت مكبوت أيضا وبحسب ” دوستوفسكي” الروائي الروسي فالحوار هو كشف لـ ” أعماق القلب الانساني ” وسبر لأغوار النفس البشرية بدواخلها وادراكها والمحيط بها ولا يمكن فهم الانسان والافصاح عن كنهه الا بالحوار والتواصل وادامة العلاقة بالآخر بما يقود الى معرفة الكوامن والدوافع والمشتركات والمختلفات.
البحث عن الحقيقة يحتاج الى انفتاح واستعداد فكري يسعى لتفتح العقول لتقبل ما ينسجم مع الثورة التي يشهدها القرن الحادي والعشرون على جميع المستويات التي تجاوزت ما انتجه العقل البشري على مدى خمسة قرون من الزمان وهذا يعني ضرورة ادراك روح العصر الذي نعيش فيه ومتغيراته بكلياته وجزئياته
في مناظرة مهمة بين د. شعبان والبغدادي كانت حول الدين والتدين والمقدس والمدنس وعلاقة الانسان بالمقدس التي تحددها الطقوس والشعائر الدينية، وهنا يضع لنا الدكتور شعبان تعريفينمهمين لكل من الدين والتدين، فالأول مجموعة من القيم والمعتقدات والطقوس التي تحدد علاقة الانسان بالمقدس، اما التدين فهو مجموعة ممارسات وشعائر لتطبيق تعاليم الدين يقوم بها المؤمنون وغير المؤمنين أحيانا لاندماجها في العادات والتقاليد الاجتماعية التي اصبحت منها.
هناك فرضية مهمة في أن المشكلة لا تكمن في الدين انما في التدين، في خضم هذه المناظرات أثار الدكتور شعبان جملة من القضايا منها : البعد الاجتماعي ودوره الكبير في حل جملة من المشاكل التي تواجه المجتمع ومختلف النزاعات التي تحدث بين الناس من خلال التطرق الى المكانة الكبيرة للقيادة الاسلامية من عهد الرسول) ص( والخلفاء الراشدين من بعده حتى غدا المسجد هو المكان المقدس للعبادة وحل المشكلات التي تواجه المجتمع فضلا عن اقامة الشعائر الدينية فيها وهنا يشير المؤلف الى مقارنة طريفة قدمها المفكر الايراني البارز علي شريعتي بين الجلوس في المسجد أوالتفكير في الله اذ يقول ” افضل المشي في الشارع وانا افكر في الله على الجلوس في المسجد وأنا أفكر في حذائي“ في اشارة الى أن الدين هو رمز الطهارة والنقاء في المسجد على نقيض تحوله الى مكان يتاجر فيه رجال الدين ويبتعدون على حل المشاكل المختلفة التي تواجه المجتمعات، الكتاب غني بالكثير من المواقف البارزة التي تسلط الضوء على العديد من القضايا من العلاقة الجدلية ما بين الدين والتدين والانسان والدين والعلمانية والدين والفتاوى والدين والقانون وغيرها من المواضيع المهمة التي تثير فضول القارئ العربي وتدعوه الى قراءة هذا الكتاب المتميز.