د. احمد مشتت
عرفت من مكالمتي الثانية مع هند في مكتب اتصالات الزرقاء ان اخي زيدون سياتي الى عمان لمقابلتنا فيالفندق على الساعة الرابعة مساءا.
قالت لي ذلك هند بتعاطف استثنائي يشي بانها تعرف الكثير عن محنة العائلة.
وانهت المكالمة:
د. احمد خبرني لو احتجت اي شي.
سارى زيدون اذن خلال ساعات قليلة
صفق قلبي فرحا بهذه الهدية الاستثنائية.
زيدون صاحب الابتسامة الخالدة، الانيق
الشاب الذي تحمل مسؤولية السفر مع امي واخي الاصغر ولم يشعرني للحظة واحدة طيلة الاشهر الماضيةبأي قلق على نصف العائلة الذي بدأ صفحة الاغتراب بشجاعة استثنائية
زيدون صخرة الاستناد
وحامل راية الامل في احلك اللحظات التي مررنا
بها
معه لاتلتفت للخلف ولاتتردد في الزحف الى الامام حتى لو كنت في الارض الحرام.
أراد أبي أن يسميه ساعة ولد صالح على اسم جدي لكن أخي الاكبر اصر على أن يدخل الشعر ورموزه إلىتاريخ العائلة بشكل رسمي وجاء باسم زيدون تيمنا بالشاعر الاندلسي ابن زيدون.
وتعجبت جدتي التي اشرفت على ولادته بيديها الماهرتين بالاسم وصارت تناديه فيما بعد ب :زيتون وتعجبتكذلك خالاتي بهذا الاسم الفاخر و العمات وغار الكثيرون من الجيران.
ابلغت الخبر السعيد لرفيق رحلتي وعدنا
الى الفندق لاخذ إغفاءة قصيرة.
لا اعتقد ان سلام كان قادرا على اغماض عينيه ، منذ مكالمته الاخيرة مع ابن عمه حارث بدا ان دماغه اخترقتهقصة جديدة تحتاج الى خيال وتدبير واستعدادات. صار القلق رفيقنا الثالث
وربما رفيقنا الاكبر حجما
لم يخبره حارث باية تفاصيل لان المكالمة كانت قصيرة ولكن الثقة التي اكتنزت صوته تسربت الى سلام الذيكان يفكر قبل تلك المحادثة بالذهاب الى اليمن للعمل هناك.
– كان بالي صافي ووجهتي محددة الى اليمن السعيد
قال سلام وهو مستلقٍ على السرير المغطى بشرشف احمر لخص دموية البقاء في هذه الغرفة القاتمة ومخدةبالية نامت عليها رؤوس عراقية كثيرة وحائرة من قبل.
– حارث خربط لي الغزل
قال سلام هذه الجملة وكأنه يرمي كل حياته على الارض باستسلام كامل وبدون اية مقاومة تذكر.
حكمة سلام ارتجفت للحظة امام هذا الاحتمال الطاريء.
– معقولة ماحاچي وياك بهذا الموضوع من قبل؟
سألت سلام عن خطط حارث
– من كنا نتخابر واني بالعراق كنت اخاف اساله؟
اردت ان اسانده باية طريقة ممكنة لكنني عجزت
في تلك اللحظة و ادركت ان مصائرنا مختلفة تماماً.
انا اريد الذهاب الى لندن وسلام حسب خطته القديمة الى اليمن للعمل كطبيب هناك وجمع بعض المالواستكشاف السبل ثم السفر الى اوربا.
لم نتعود كعراقيين ان تكون لدينا خيارات ابدا
هناك فروض اجبارية تسير حياتنا
دائما ننظر الى من هو في السلطة ليخطط مصائرنا
في نهاية الامر نصبح مثل الدمى المتحركة يسيطر على حركتها من يمسك بالحبال.
حتى السفر خارج العراق كان هروبا اكثر منه خيارا فرضته ظروف البلاد الصعبة والاضطهاد الازلي الذيدفعنا خطوة اثر خطوة خارج الحدود مرغمين للحفاظ على رمق اخير من حياتنا المسروقة.
الان في عمان قطعت الدمى المتحركة كل الحبال وعليها ان تبدأ حركتها المستقلة الاولى.
صارت الخيارات امرا اساسيا لرسم الخطوة المقبلة. والاحساس الجديد بالحرية الذي ظل جديدا حتى لحظةكتابة هذه الاوراق هو القائد
كان علينا ان ننسى ولو مرة ان القائد الاوحد هو صدام حسين.
القيادة الحقة الان لهذا الهواء الطلق الذي يمر تحت انوفنا برائحته الزكية ويفتح امامنا مسارات جديدةوواعدة.
– سلام احسن استتراجية للتعامل مع الوضع الجديد هي انو نفكر اليوم العصر شنو راح نسوي
خطوة خطوة بالتداريج
اسهمت حكمتي الاخيرة بلفت انتباه سلام وسرقته من القلق الاخير الذي شلَّه
قال:
– صدگ زيدون راح يجي العصر
حرامات انطينا دينارين لهذا الفندق العفن ومراح نبات بيه.
– تذكرت شقة جلال، ملاك الحرية ببغداد
قلت وانا اتذكر لحظة خطوت في تلك الشقة الباذخة
– هذا مصير العلماء
اردف سلام وهو يشير الى غطاء السرير الاحمر.
في الرابعة مساءا تماما سمعنا خطوات صاخبة على سلم الفندق
– وينهم ؟
كان ذلك صوت زيدون الذي هز ارجاء المكان
وسحبنا انا وسلام من ملحمة الافكار الاخيرة الى ملحمة اخرى
في كلمة وينهم احسسنا ان العراق برمته جاء يسأل ويطمئن على حالنا بحنية بانت من موسيقى اطلقتهاحنجرة زيدون بالنيابة عن الوطن الذي جلس معنا في تلك الغرفة بفندق وسط البلد واضاء فجاة ظلامالغربة.
عانقت زيدون الذي لم اره منذ اكثر من ثلاثة اشهر
ونزلت مع العناق الدموع قبل الاسئلة
– والله ابطال سويتوها، ماكنا متوقعين ولاخطر ببالنا راح تطلعون من القمقم. من هند ام مكتب الإتصالاتگالت د. احمد اتصل من عمان
فركت اذني مامصدگ
حتى هند هلگد متفاعلة مع وضعنا هم ماكانت مصدگة. سالتهه هل هي متاكدة انو د. احمد اتصل
گالت نعم وشوفتني ورقة كاتبه بيهه وقت الاتصال وبقلم عريض د. احمد اخو الشباب العراقيين اتصلواكمل زيدون وهو لم يتوقف منذ ان غزا عزلتنا
– طبعا ماخبرت امي بقدومكم
گلت نفاجأها وشوية نطلعها من جو الفاجعة الغرگانة بيه
كان زيدون يقصد الفاجعة الاخيرة بفقدان اخي الاوسط سعدون في تموز من عام ١٩٩٤ غرقا في السويد
مات سعدون وحيدا
وحين وصلنا الخبر في بغداد في تلك الليلة من يوم ١٤ تموز سقطت غيمة الحزن الثقيلة على حياتنا مثلحجر واختنقت ارواحنا ببكاء ابدي.
كل حياته على الارض باستسلام كامل وبدون اية مقاومة تذكر.
حكمة سلام ارتجفت للحظة امام هذا الاحتمال الطاريء.
– معقولة ماحاچي وياك بهذا الموضوع من قبل؟
سألت سلام عن خطط حارث
– من كنا نتخابر واني بالعراق كنت اخاف اساله؟
اردت ان اسانده باية طريقة ممكنة لكنني عجزت
في تلك اللحظة و ادركت ان مصائرنا مختلفة تماماً.
الت نعم وشوفتني ورقة كاتبه بيهه وقت الاتصال وبقلم عريض د. احمد اخو الشباب العراقيين اتصل واكملزيدون وهو لم يتوقف منذ ان غزا عزلتنا
– طبعا ماخبرت امي بقدومكم
گلت نفاجأها وشوية نطلعها من جو الفاجعة الغرگانة بيه
كان زيدون يقصد الفاجعة الاخيرة بفقدان اخي الاوسط سعدون في تموز من عام ١٩٩٤ غرقا في السويد
مات سعدون وحيدا
وحين وصلنا الخبر في بغداد في تلك الليلة من يوم ١٤ تموز سقطت غيمة الحزن الثقيلة على حياتنا مثلحجر واختنقت ارواحنا ببكاء ابدي.