فينوس فائق
أغلب النساء اللاتي يعرضن صورهن الشخصية والعائلية وصور موائدهن، يحضين بشعبية أكثر من النساءاللاتي ينشطن ككاتبات أو ناشطات في المجالات الثقافية، خصوصا اللواتي ينشرن نصوص كتاباتهنبدون صور شخصية لهن. النوع الأول من النساء يركزن على مشاركة كل صغيرة وكبيرة في حياتهنالإجتماعية كواجب يومي تجاه متابعيها، وما عليك سوى أن تنقر زر طلب الصداقة أو المتابعة وماعليهنسوى أن يقبلن، ليزداد أعداد متابعيهن، وتحصد منشوراتهن على مدار الساعة الآلاف من علامات الإعجابوعبارات الثناء والإطراء.
طبعا هنا أقصد نساء من شريحة ربات البيوت، ممن نظمن حياتهن وفق مبدأ تقسيم الأدوار بين الزوجوالزوجة. تتكفل هي برعاية الأطفال وتربيتهم والقيام بواجبات التنظيف وتحضير الطعام وخدمة الزوج علىأتم وجه مقابل أن يتكفل هو بكسب المال. هذا كل مافي الأمر، وحيث أنها لا تقع على عاتقها وظيفة كسبالمال، يكون لديها الوقت الكافي للتسوق أو المشاركة في جلسات نسوية يعرضن فيها آخر صيحات الموضةوآخر إبتكاراتهن في تحضير وجبات الطعام، ثم أثناء تناول الشاي يتجاذبن أطراف الحديث عن أثاث المنزلوموديلات أطقم الذهب في خزاناتهن وأعداد أزواج الأحذية..ألخ ويتخلل الحديث بطبيعة الحال بعضالنميمة وإفشاء أسرار الصديقات. ونشر السيلفيهات من مختلف مواقع وأركان الجلسة ويحرصن على ظهورزينتهن وموائدهن في الصورة.
العالمة الإجتماعية الهولندية نيلا جيورتس في لقاء لها على محطة الإذاعة الهولندية NPO عن مثل هذهالنساء تقول: “يجب على مثل هذه النساء أن يعتنين بالأسرة، تربية الأطفال، وتحضير الطعام، وما علىالرجل هو تأمين الخبز“. والصحفية إيما كيرفرز، في مقال لها في صحيفة فولكس كرانت الهولندية تقول: ” جوهر المرأة هو الإهتمام والطاعة، ولكن قبل كل شيء أن تكون أما أو أن تصبح أما“.
هذه النوعية من النساء لا يعنيهن التطور الحاصل في المجالات الخدمية في المجتمع، لأن كل شيءمتوفرلديها بفضل زوج يكسب ما يكفي لتأمين متطلبات المنزل وإحتياجاتها الشخصية، ولا حتى يهمها ماحل بالديمقراطية ولا تفهم شيء من مفاهيم حرية التعبير وحرية الرأي..ألخ ولا تندرج أي من قضايا حقوقالإنسان وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في أي خانة من خانات إهتمامتها، ولا يعرن إهتمام للأخباروالتطورات السياسية وتغيير الحكومات والإنتخابات النيابية وقوائم المرشحين وبرامجهم الإنتخابية، بقدرما يهمهن آسماء أشهر العطور وماركات الأحذية والحقائب اليدوية والألبسة الفاخرة. كل هذا مازلنا بمنأىعن المشكلة، فالمشكلة تحدث حينما تجد هؤلاء النساء المطيعات الخدومات وقد وصلن وبفضل أحد المسؤولينمن أقربائها إلى أحد المناصب الحكومية، أو إلى داخل قبة البرلمان.
فحتى في هذه الحالة يجب أن لا نمني أنفسنا كثيرا، لأن نشاطاتهن على مواقع التواصل لن تقل بل سيتغيرشكلها. أتذكر نائبة برلمانية كلما تلبس قميصا من ماركة عالمية أو حذاء أو حقيبة تنشر لها صورة من فلترسنابجات، معها بعض الكلام المنمق، فتمطر علامات الإعجاب والتعليقات التي تثلج صدرها وتزيدها ثقةبنفسها.
القضية هنا بتقديري ذو شقين، الأول، المرأة التقليدية نفسها، التي إلى جانب الطاعة وإتمام واجباتهاالمنزلية تجد المتعة في مشاركة أدق تفاصيل حياتها الشخصية والأسرية مع متابعيها، إذ تجد نفسها ملزمة“كواجب أخلاقي” بإخبارهم عن تفاصيل يومها بما فيها أمور شخصية. ثانيا، المتابعين الذين ينقرون علىزر المتابعة أو علامة الإعجاب دون أن يسألوا أنفسهم: ما الهدف من متابعتها؟ أم أنني حقا أستمتع بمتابعةتفاصيل حياتها الشخصية لأكون رقما بين قائمة معجبيها ومتابعيها.. فمثل هذه النساء تحولت حياتهنبشكل عام إلى فلم أو مسلسل يومي يعرض في حساباتهن على المناصات الإجتماعية.. السؤال هنا هو، هلالمشكلة في صاحبة المنشورات؟ أم في فهمنا لكيفية التعامل مع هذه المجالات التكنلوجية؟ أم أن المشكلة أننيومن يفكر مثلي نغرد خارج السرب؟ بحيث لو لم تفعل مثلهم تكون الحالة الشاذة؟
