انت خوش ولد

انت خوش ولد

كنت اسكن في غرفة صغيرة بمدينة لايدن الهولندية في العام 1993
وكان يسكن الى جانبي شاب اردني محترم وطيب ، وكنت حديث عهد
بعلاقتي معه، قلت له ذات مرة: أنت خوش ولد ، فرد عليَّ باسماً بقوله
ليس هناك )مو خوش ولد بالدنيا !!! ( فتعجبت من رده فقلت : وكيف ذلك
، فقال كل واحد منا جيد ومحترم عند اصدقائه ومحبيه وبالتالي الجيد
والسيء مسألة نسبية. فما هو جيد عندك سيء لدى الآخرين والعكس
صحيح. ثم اردف قائاً لا تغرك المظاهر ربما أنا إنسان سيء في داخلي.
فقد علمني هذا الشاب ان إطاق الأحكام بالعموميات خطأ ، فما اعتقده
لا يمكن ان يكون حقيقة ، كما ما يعتقده غيري لا يمكن ان يكون خطأ.
فللحقيقة اوجه متعددة ، وهكذا تتعدد وجهات النظر .
ولفت نظري الى اهمية التعايش في مجتمع متعدد لا يمكن تقسيمه الى
سيء وجيد الا بعد التعامل والاختيار والاخذ والرد معه .
كما عملني ان المثل القائل ) حب واحجي واكره واحجي ( هو مثل عاطفي
لا علاقة له بالعقلانية .
فالتقييم الواقعي لأي شخص هو تقييم عقلي ، ربما يخالف مزاجك ورغباتك
العاطفية ، لكن الموضوعية تحتم عليك قول الحقيقة والحق .
لذا حينما نريد ان نحكم على الأشخاص مثاً يجب ان نكون موضوعيين
واقعيين ونبتعد عن السلبية المفرطة والايجابية المفرطة .
فكل انسان له ما له وعليه ما عليه، وما يثير عجبي وانا اتابع الاحداث
في العراق والشرق الاوسط بشكل عام و اتصفح بعض الكتابات والاراء في
مواقع التواصل ، أرى الكثير منها تركن الى المزاجية والعواطف .
والبعض يقيم حسب ما يتخيله من سوء أو جودة في الشخص الذي يريد
تقييمه ، رغم انه لا يعرفه ولم يتعامل معه .
يقولون ان السفر والمعاملة يعكسان حقيقة الإنسان , يعني ذلك انك لا
يمكن ان تعطي رأياً دون ان تكون قريب من الحدث وان تتعامل معه ، لذا
جاء في الحديث ) الدين المعاملة ( .
إذاً ) الخوش والمو خوش ( ، ليست احكام مزاجية بقدر ما هي احكام
واقعية .
لكن للاسف ) الخوش والمو خوش ( اصبحت ظاهرة مزاجية انتشرت
اجتماعياً بشكل خطير و تفتشت مؤخراً بين النخب و) المثقفين ( عكست لنا
واقعاً إجتماعياً يخلط الاوراق بين الجيد والرديء.
فكل حدث ينبري له مجموعة ممن يحسبون على الثقافة ويحللون بشكل
مزاجي ويقسمون ما يحلو لهم من تقسيمات ، فهذا خوش ولد والاخر مو
خوش ولد . حتى ضاعت مسطرة التقييم .
فقد أغلقوا باب الاختاف الذي لا يفسد للود قضية وأصبح يفسد للود
قضايا..، فرغم ان الاختاف ظاهرة حضارية راقية و منتجة ، لكنها محظورة
في العقل العراقي.
اما ان تكون معي او ضدي ، و ما نراه اليوم في العراق من تقييمات
للاحداث والواقائع سواء السياسية او الاجتماعية منها ليست تقييمات
حقيقية بل هي مزاجية .
فكل قومٍ بما لديهم فرحون .

(Visited 6 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *