د. رقيق عبد الله / كاتب ومفكر جزائري
إن الازمة الثقافية لم تعد تمس المتغير من الأشياء وانما تعدتها إلى القيم وثباتها في اشكاليات الهوية وإلغاء الآخرين بتداخل هوياتهم الرافضة للتعايش،فاشكالية الأزمة الثقافية أنها استباحت دواخلنا بكل ملاحم الأجيال، وحولت حقائقنا الى أساطير متواجدة ومتلاشية في أعماقنا بكثافة طقوسها وصورها وكل أحلام الضمائر الاجتماعية.
لقد جعلتنا الثقافة نمتلك الجهل الأفقي كمقدس في مفترق طرق الحضارة ليمتد هذا الجهل الأفقي من ماضينا المعرفي إلى مستقبلنا المزدحم بالمتغيرات والأحداث
عبر تبني نمط الثقافة الأفقية في الهوية والتراث، العلاقات الاجتماعية وروابط الإنتاج المادي والقيمي، وانتج من خلالها المنطلق الايديولوجي لكل الحركات الثقافية والسياسية للمجموعات الاصولية في جل مكونات العالم العربي والإسلامي التي اعتبرت أن الثقافة اساس موحد يتم من خلاله جمع الأمة لغة ودينا، واتخذت من التنوع والاختلاف فشلا ومأساة .
وفي زخم قداسة الجهل الأفقي فشلت المشاريع القومية وعوضت بالعصبيات والعشائر كما بررت الحركات الأصولية فشلها بمنتجات الحداثة والدولة، وهذا ما جعل الثقافة تتشكل وفق الأيديولوجيا التي عجزت عن تقديم إنتاج وفق منظور عام وانما ركزت على نمط تفكيرها الذي يتسم بالانغلاق، فرفضت الاختلاف و تعددت الآراء في مجموع الثقافة التي يبنيها الجميع واعتبرت التنوع الفكري تهديدا لكينونتها، وانتجت ثقافة على تخوم الوعي واللاوعي، معتمدة على الوظيفة الرمزية للاشعور الثقافي المادي واللامادي.
إن وهم المحافظة على الهوية الثقافية دون فهم الثقافة الكلية وقبول تنوعها يجعل من فاعلها الأساسي وهو الإنسان يمتلك بعدا وحيدا ضمن دائرة التبعية التي تحرمه من تجسيد سلوكياته إلى عملية أداتية تتمخض عنها فاعلية الظاهرة الإنسانية و ثقافتها.
فمحاولة الخروج من دائرة الجهل الأفقي في ازمتنا الثقافية هو عبر تلك العودة إلى ذاكرتنا الأزلية، وإعادة تفعيل القيم الثقافية المضمرة في تلك الذاكرة والموروث ذو الطابع الجماعي لكل مجتمع، والتي تمكنه من متابعة سيرورة الأحداث والمتغيرات والتمسك بمستودع ذاكرته المتعالية على الماضي والحاضر والمستقبل والتي بها يملك الإنسان إنسانيته.
و تمسك الثقافة بذاكرتها لا يعني ما قدمه بيكون في تسميته للذاكرة بالأصنام الذهنية وقداسة مالا يعلو ،فجهل الإنسان في ثقافته بغير الحق هو منتهى الحق، وهذه غاية الانسان من عمودية القيم والتراث الذي أخطأت الثقافة في جعله يستمد مشروعيته من الانسجام مع الحضارة الكونية وليس من الإيمان الخالص فكانت الأزمة الثقافية يجهلها الأفقي….يتبع
الأزمة الثقافية والجهل الأفقي .. رقيق عبد الله
(Visited 33 times, 1 visits today)