د.محمد فلحي
روى لي صديق صحفي هذه الحكاية وهي على ذمته..قال:كان الصحفي المرحوم فرات الجواهري من ابرز الصحفيين في جريدة الجمهورية حتى وفاته رحمه الله في اواسط التسعينيات،وقد تم تكريمه عام 1991 مع عدد كبير من الاعلاميين بنوط الاستحقاق العالي واصبح من فئة(اصدقاء صدام)،وكان ذات مرة يتحدث الى والده المرحوم شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري المقيم في دمشق،وكان يحاول اقناعه بشكل مهذب بالعودة الى العراق بعد ان حصل على تطمينات ووعود من السلطات حينذاك،ومن ضمن ما قال لوالده:انني اصبحت من اصدقاء الرئيس صدام حسين..فسأله الوالد الجواهري:وكم عددكم انتم اصدقاء صدام..اجاب فرات:حوالي مائة الف..فسأله الوالد:وكم عدد نفوس العراق..قال فرات: تقريبا 28 مليون..فضحك الجواهري وقال لابنه:يعني هؤلاء كلهم ومن ضمنهم المشردين خارج العراق من اعداء الرئيس ما عدا المائة الف!؟..فبهت فرات واغلق سماعة الهاتف وهو يرتجف من الخوف؟!!
قد يتساءل بعضكم عن مغزى الحكاية وما علاقتها بموضوع المحاصصة؟!
أقول في العراق حاليا حوالي ثلاثمائة حزب سياسي موزعة على ثلاثة مكونات رئيسية(شيعي+سني+كردي) ويتفرع من كل مكون عدد من الكيانات والكتل السياسية،وجميع هذه الاحزاب فقدت رصيدها الشعبي في الشارع خلال السنوات الماضية،ولا يستطيع اي حزب او كيان تحريك تظاهرة شعبية كبيرة او تجميع الرأي العام حول اية قضية وطنية مهمة رغم ان جميع الاحزاب تتحدث وتطالب باسم الشعب الغائب والمغيب والمخدوع..ولو احصينا من يسمون انفسهم قادة الاحزاب والكتل وعوائلهم واتباعهم الحقيقيين فان عددهم لا يتجاوز عدد اصدقاء صدام اي حوالي مائة الف اما الرعاع من المصفقين المخدوعين فهم بالملايين وهم انفسهم من كانوا ينعقون خلف كل ناعق و يهتفون لصدام في الشوارع نفديك بالروح بالدم..من بين هؤلاء(الاصدقاء الجدد) فقط يصعد النواب الى البرلمان ومن بينهم يرشح الوزراء ومن بينهم يتم اختيار رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ونوابه، ومن بينهم يرشح السفراء و رؤوساء الهيئات غير المستقلة ومجالس امنائها ويتم اختيار قادة الاجهزة الامنية والمؤسسات الحكومية الاخرى..وقد اتفق هؤلاء (الاصدقاء الجدد) على صيغة المحاصصة(غير الدستورية) لضمان توزيع(الوطن\الكعكة) بينهم دون بقية غالبية الشعب الساحقة،وحسب المحاصصة لا يمكن لاي شخص مستقل وطني او عالم حقيقي او اداري ناجح او خبير ان يصل الى اي منصب الا اذا انضم تحت عباءة احد الاحزاب الحاكمة او ربطته صلة قربى او مصلحة بقادة تلك الاحزاب، وقد وصلت حالة الفساد في بعض الاجزاب الى بيع حصتها من المناصب في مزايدة..وذلك هو سر الفشل الذي يعانيه النظام السياسي الحالي(الديمقراطي)،ولن يكون مصيره افضل من النظام(الدكتاتوري) السابق!
من يقرأ السيرة الذاتية الهزيلة لنواب ووزراء وسفراء المحاصصة وغيرهم من كبار المسؤولين يشعر بالحزن على مصير شعب مظلوم تستبعد كفاءاته الحقيقية وتنزوي قياداته الفكرية والثقافية والعلمية او تهرب الى الخارج ويتصدر المشهد ثلة من الطائفيين الفاسدين لا يتورع بعضهم عن بيع الوطن من اجل مغانمه الرخيصة!
استثني من ذلك المشهد الحزين المقاتين الابطال الاوفياء من ابناء القوات المسلحة والحشد الشعبي الذي يضحون باروحهم من اجل الوطن دون ينالوا حصتهم المشروعة منه،حتى ان اهل الشهيد (يشترون) مساحة متر واحد من ارض الوطن لتكون قبرا لفقيدهم الغالي!
ما ارخص الانسان عندما تسرق الاوطان!!
الاصدقاء والسفراء الجدد ! /د. محمد فلحي
(Visited 6 times, 1 visits today)