مرتضى كتاب الشمري
شهد العالم مؤخراً تطوراً هائلاً في مجال التكنولوجيا ،و اصبح الاتصال بين الأشخاص يتم بسهولة ،و بعد ان حصل الانفتاح الكبير على ألعالم في أستعمال وسائل الاتصال الحديثة في شتى المجالات ، وأسهمت تلك الوسائل بتقريب البعيد و أختصار المسافات بين الأشخاص فساعدت تلك الوسائل الحديثة في تطوير عمليات اجراء العقود ، فظهر لدينا مايسمى بالزواج الالكتروني و الطلاق الالكتروني و غيرها من العقود التجارية الإلكترونية فالعالم أصبح يواكب الحداثة و التطور حتى في المجال القانوني و صياغة العقود و إبرامها ، وهذا تطور إيجابي بكل تاكيد.
فالطلاق هو رفع قيد الزواج ،او رفع قيد النكاح بألفاظ مخصوصة .و عرفه قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل في الفقرة اولا ً من المادة الرابعة والثلاثين ، الطلاق بأنه 🙁 رفع قيد الزواج بايقاع من الزوج او من الزوجة ان وكلت به او فوضت او من القاضي . ولايقع الطلاق الا بالصيغة المخصوصة له شرعــــا ً).
حكم الطلاق الذي يقع عن طريق الهاتف النقال اللاسلكي:
فقد صدرت فتوى بذلك تنص على الطلاق الواقع عبر الهاتف النقال تقول : (الطلاق بواسطة رسالة عبر الهاتف له حكم كناية الطلاق ، و الكناية ان نوى بها الزوج الطلاق ، فالطلاق واقع ،و الا فلا يقع الطلاق أن لم ينوي الزوج الطلاق ) و بهذا فان هذه الفتوى تتفق مع رأي المذاهب الاسلامية التي اجازت ايقاع الطلاق بالرسالة عبر الهاتف النقال و وسائل الاتصال الحديثة. و يخالف هذه الفتوى رأي لآية الله العظمى السيد علي السيستاني عندما سئل عن رجل طلق زوجته بكتابته للطلاق على شكل رسالة يشرح فيها أرادته بتطليق زوجته ، حيث وردت الاجابة على ذلك بالنص ( اذا اخبرها الرجل بوقوع الطلاق فهو حجة لها و يجوز زواج الزوجة من رجل أخر بعد انتهاء عدتها ، و اما اذا اراد الرجل انشاء بمجرد الكتابة من دون النية فلا يحصل بها ، و العزم و الارادة لا يكفيان في تحققه و انما لابد من الانشاء ، و بحضور رجلين عدلين (شاهدين ) ، و كون المرأة في طهر لم يواقعها فيه ) .
و أشار الى ذلك القاضي اياد احمد سعيد الساري
في كتابة الموسوعة الشرعية و القانونية في الاحوال الشخصية ، أن الطلاق عبر الهاتف النقال و غيره من وسائل الاتصال الحديثة طلاق تام متى ما تحقق فيه قصد الزوج و متيقن منه مع وجود النية ، اما اذا نوى الرجل الطلاق بقلبه و لم يتلفظ به او لم يكتبه فلا يقع لانه لم يصدر منه طلاق شرعي ، و عليه فان النية و التلفظ بطلاق من الزوج هما شرطان اساسيان في وقوعه .
و لا يشترط في وقوع الطلاق من قبل الزوج وصول الرسالة للزوجة او علمها بها لانه لا يشترط في وقوع الطلاق و نفاذه علم المراة و لا أذنها فيه فهو من صلاحيات الزوج و حقوقه التي خوله الشارع بها . و بهذا فأننا نتوصل الى نتيجةً مفادها أن الطلاق يقع ان كان الزوج قاصداً حتى و ان كانت الرسالة لم تصل الى الزوجة .
و يقع الطلاق أيضاً بكتابة مايدل عليه بواسطة احدى وسائل الاتصال الحديثة ( كالبريد الالكتروني و المحادثات الكتابية الإلكترونية )
فـ الطلاق بواســطة البریــد الالكترونــي( e-mail)
فعندما یكتــب الــزوج لزوجته (أنتِ طالق ) وهو فعلاً ینوي إیقاع الطلاق، فهل یقع و اذا لم یـرد الطـلاق ولـم ينوي لایقـع وتعـد كتابــة الرســالة فــي هــذه الحالــة مجــرد كتابــة تفتقــر الــى النیــة فــلا یعتــد بهــا ولایترتــب علیهــا أي أثــر
شرعي أو قانوني. فلو قام الزوج بارسال رسالة نصية الى زوجته مكتوب بها (انتِ طالق ) و كتبت عن طريق الخطأ او سهواً ، أي أنه الزوج لم يقصد بها الطلاق و لم يكون لديه نية لايقاع الطلاق فــالطلاق هنــا لا یقــع حتمــاً لأن الــزوج لــم یكــن قاصــداً إیقاعــه حتــى لــو لجــأت الزوجــة الــى آستغلال هذه الرسالة وتوثیقها في المحكمة المختصة ، فلا عبرة بهـذا التصـرف مادامـت النیـة غیـر متوافرة لدى الزوج لتطلیق زوجته.
و بذلك يرى الفقهاء وقوع الطلاق بوسائل الاتصال الحديثة لان الطلاق لا يحتاج الى توثيق لغرض الاثبات فيكون الاثبات في هذه الحالة عند إنكار الزوج هو الورقة الموثوقة المرسلة بطريق الإنترنت لان الطلاق يقع بالعبارة و الاشارة ، و على ذلك فإن الطلاق بالمراسلة اذا كان مقصوداً به ان الزوج قد طلق زوجته غيابياً ثم أعلمها بهذا الطلاق عن طريق رسالة بعثها لها فهو طلاق واقع و لا شك فيه حتى قبل المراسلة و كل ما أضافته المراسلة انها اعلمت الزوجة بما حدث من طلاق بينهما ،اما اذا كتب الرجل لفظ الطلاق في رسالة الى زوجته دون ان ينطق بها بهذا اللفظ فلا يقع الطلاق بمجرد الكتابة من دون لفظ الطلاق ما دام الرجل قادر على النطق ، و في حالة عجزه عن النطق كالاخرس مثلاً فيقع طلاقه بالاشارة او الكتابة المعبره عما يقصد به و هو الطلاق.
و يذهب القاضي حقي إسماعیل هزاع / قاضي محكمة الأحوال الشخصیة في البیاع الى أجازة توثیق الطلاق الحاصل عبر شبكة المعلومات الانترنیت ویقول ) یجوز توثیق الطلاق بالبریـد الالكتروني (e-mail) بشرط ان تتأكد المحكمة من أن الزوج هو المرسل للرسالة وانـه یقصـد إیقـاع الطــلاق وأن الزوجــة آســتلمت هــذه الرســالة فیحــق لهــا اللجــوء الــى المحكمــة ٕواظهــار هــذه الرســالة وأعتمادهـا لتوثیـق الطـلاق، اما فيما يتعلق بمسـألة الإشـهاد علـى الطـلاق فیجـب أولاً تحدیـد المـذهب ، فالمذهب الجعفري یسـتلزم شـاهدین لحضـور الطـلاق فـي لحظـة وقوعـه اما فـي المـذهب الحنفـي فـالطلاق یصـح بـدون شهود مع مراعاة ان تكون المراة في طهر .
الا انه قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ النافذ لم يتطرق لمعالجة الطلاق الالكتروني مما يقتضي الرجوع الى الاحكام الشرعية والفقهية بهذا الخصوص والسوال من الطرفين عن المذهب الذي يقلدانه و بالتالي معرفة آراء الفقهاء ، و أنه المادة الأولى من قانون الاحوال الشخصية في فقرتها الثانية نصت على ( اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون) اي أن في حالة عدم وجود نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية.
و الجدير بالذكر أن هناك اكثر من توجه تمييزي لمحكمة التمييز الاتحادية في خصوص إيقاع الطلاق عن طريق الهاتف .
و في ختام مقالنا نستطيع القول ، ان الطلاق من الـزوج الـذي يرسـل رسـالة بوجـه شـرعي صـحيح, و يكـون في الحالـة المعتبرة شرعاً وقت كتابته للرسالة, و أن تكون صـيغة الطـلاق موجهـه الى الزوجـة بطريقـة لا لبس فيها, ولا غشاً او تزويراً ،و لا غموض , قاصدا الطلاق, و مايترتب عليه من أحكام, فالطلاق هنا يقع ، و أما إذا كـان غـير ذلـك فـلا يقع الطلاق. و في كثرة وقوع الطلاق الالكتروني في الوقت الحاضر أصبح من اللازم التدخل تشريعياً و ضرورة ايجاد المعالجة القانونية في النصوص ، خاصة و ان التطور التكنولوجي بدأ يغزوا العالم في جميع المجالات ،و في العودة الى قانون الأحوال الشخصية العراقي نجد هناك فراغ قانوني في هذا المجال ، فلابد من نصوص تشريعية تعالج ذلك ، فعلى المشرع ان يواكب التطور الحاصل في هذا المجال و صياغة مواد قانونية تنظم الطلاق الإلكتروني .