حسين فوزي
يجمع فقهاء الدستور، ضمنهم أ. د. منذر الشاوي، بجانب فقهاء عظماء مثل د. طلعت الشيباني وأستاذ القانون بكلية القانون بجامعة باريس جورج سل، وقبلهما أستاذ سل العميد دكي الفقيه الأكبر، “إن جميع دساتير العالم تمثل وثائق نصر لقوى سياسية على أخرى، وقد تتشابه هذه الوثائق إلى حد بعيد إذا ما كانت القوى المنتصرة متشابهة موضوعاً، فدساتير الثورة الصناعية التي قامت على أكتاف الطبقة البرجوازية المنتصرة في معاركها الحاسمة ضد الملكية المستبدة في انكلترا سنة 1688 وفي أميركا 1775 وفي فرنسا سنة 1789، كانت متشابهة إلى حد بعيد.”
ويجمع فقهاء الدستور على أنه الوثيقة التي تحدد صلاحيات كل من أطراف السلطة، حيث تسمى هذه العملية بـ”المصانعة بين أطراف السلطة المتعددة الديمقراطية” بما يحقق التوازن وعدم تخطي أي طرف الحدود المرسومة له، بجانب تحديد دور المواطن بما يضمن سد منافذ التجاوزات الجماهيرية بعد انتصار الثورة الفرنسية.
والمصانعة هي نوع من العلاقة القائمة على درجة عالية من الفهم للمسؤوليات والوضوح، لكن الدستور العراقي القائم، جاء وليد مخاوف أكثر منه مصانعة:
– فالأصل أن الأطراف جميعاً خائفة من سلطة المركز، لذلك جاء الدستور العراقي محدداً لصلاحيات السلطات الاتحادية، وعداها بالمطلق من صلاحيات الأقاليم (إقليم كردستان)، والمحافظات.
– الشيعة خائفون من سلطة اتحادية قوية، فتوافقوا مع الكرد على الكثير في إضعاف مركز السلطة الاتحادية.
– السنة خافوا، ومعهم الكرد، من أية تعديلات دستورية، قد تلحق الضرر بهم، فكان نص أغلبية المحافظات الأربع.
وفوق هذا، فأن الشيعة وهم “أغلبية” السلطة التنفيذية والبرلمان، همشوا رئيس الجمهورية الذي يصفه الدستور بـ” حارس الدستور والقانون ووحدة البلاد وسيادتها”، فصار مجرد من أية صلاحيات سوى دمغ ما يصدر عن البرلمان من تشريعات، وهي دمغة مستغنى عنها بعد 15 يوماً من وصول أي مشروع قانون لمكتبه، ليصار قانوناً ينشر بالجريدة الرسمية بدون مصادقة الرئيس.
بالإضافة إلى هذا، فأن الرئيس الأسبق د. فؤاد معصوم، كان قد التفت إلى أن رئاسة الجمهورية بدون قانون ينظم عملها على وفق ما نص عليه الدستور، فقدم لمجلس النواب مشروع قانون رئاسة الجمهورية، وهو في الرفوف العالية لمجلس النواب، لأن الشيعة والسنة لا يريدون لرئيس الجمهورية صلاحيات واضحة.
من ناحية أخرى فأن الغرفة الثانية من البرلمان أو الجمعية الوطنية، المجلس الاتحادي، الذي يشكل عنصر ضبط لطروحات مجلس النواب كما هو بالنسبة لمجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية، ضمن رؤية تحافظ على تماسك لحمة البلاد، مازال بعد أكثر من 17 عاماً حبراً على ورق بدون قانون، وبدون تشكيل حقيقي ليمارس دوره في تنضيج كل ما يصدر عن مجلس النواب.
من ناحية أخرى فأن الدستور نص على سحب الثقة من الوزراء، أو سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء وحينها يعد مجلس الوزراء مستقيلا بمجموعه، لكن الدستور لم يوازن هذه الصلاحية، كما هو معمول به في كل دساتير العالم، في أن من صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء حل البرلمان والدعوة لانتخابات وفق المدد الدستورية.
لست فقيهاً دستورياً، لكن الشيء المؤكد هو أن الدستور العراقي لم يكتبه منتصرون، إنما كتبته أطراف خائفة، كانت تريد تجاذب الأطراف لسلطات المركز وإضعافها، لكي تطمأن مكونات متفرقة متشككة ببعضها، وهي بهذا تفقد القدرة على الحفاظ على تلاحم المواطنين، الذين تلاحموا بفعل أزمة المعيشة وغياب الخدمات والفساد، لكن القابضين على السلطة الخائفون لن يحققوا التوازن المطلوب في “مصانعة” إطراف سلطة مدنية ديمقراطية.
وهذه مهمة خطيرة ينبغي على رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني والوزراء الواعين لمسؤولياتهم تعجيل معالجة غياب التوازن بين أطراف السلطة وعدم الثقة من جهة، كما أن السيد رئيس الجمهورية د. لطيف جمال رشيد مدعو إلى إعادة طرح مشروع قانون رئاسة الدولة الذي كان سلفه د. معصوم قد أرسله لرئاسة مجلس النواب، فلا يمكن ومن غير المقبول أن يكون حامي الدستور ووحدة البلاد وسيادتها بدون صلاحيات يحددها قانون خاص بالرئيس.
دستور الخائفين وليس المنتصرين بلا توازن / حسين فوزي
(Visited 13 times, 1 visits today)