من الواضح اننا نواجه معضلتين الان، اي بعد الانتخابات، غير مسألة عدم الثقةبنتائجها، وهاتان المعضلتان هما:
اولا، انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، الامر الذي يجعل ما نسبته ٥٩٪ منالعراقيين خارج دائرة التمثيل البرلماني.
وثانيا، الصراعات المستقطبة والمستحكمة داخل البيت الشيعي، وخاصة بين السيدمقتدى الصدر وما يمثله، ونوري المالكي وما يمثله.
ولن تستقيم الحياة السياسية في البلاد ما لم يتم التوصل الى “تسوية سياسية” لهاتينالمعضلتين. وقلت “تسوية سياسية” عن عمد لكي اسجل ان العمل السياسي الديمقراطي،في معناه النموذجي، ليس صراعا او حربا او خصومة، انما هو تنافس من اجل التعاونعلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع؛ لان المجتمع بالاساس هو، وطبقا لتعريف راولز،اطار للتعاون المنصف بين مواطنين احرار ومتساوين.
بالنسبة للمعضلة الاولى، فمن الواضح ان الصفة التمثيلية للنواب “معيوبة“، لا ينتقصهذا العيب من شرعية الانتخابات، لكنه ينتقص من الادعاء التمثيلي للنواب. فليسبوسعهم ان يتحدثوا بملء الفم عن تمثيلهم للشعب العراقي انما يمثلون بمجموعهم ٤١٪من المجتمع إنْ صحت ادعاءات “مفوضية القضاة“. وعلى النائب بمثل هذا العيب الفادحفي تمثيله للشعب ان تتفتق عبقريته السياسية وقدراته العملية عن طرق للتواصل معالنسبة الاخرى من الناس والاستماع اليهم وحمل همومهم والدفاع عنهم والسعيلتحقيق امنياتهم. وهذا ليس بالامر الصعب.
واما بخصوص المعضلة الثانية، فان على الذين سوف يحكمون استنادا الى صفةتمثيلية معيوبة ان يتذكروا انهم لا يملكون تفويضا مطلقا من قبل الناس بحكمهم، وان“الكتلة النيابية الاكثر عددا” مهما كانت لا تمثل سوى اقلية قليلة من عموم الناس، وهمالركن الاول في الدولة، يتبعه الوطن، ثم الحكم (او النظام السياسي)، ورابعا، حسباطروحة الدولة الحضارية الحديثة: منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاريوعناصره الخمسة اي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. وعليهم اذاً ان يعالجواالخلل في “الشرعية التمثيلية” بنوع اخر هو “شرعية الانجاز“. ولا يمكن ان تتحققالشرعية الثانية دون العمل بمبدأ التعاون. وهذا المبدأ، فضلا عن كونه يمثل احدىمفردات منظومة القيم المذكورة في القران، فانه احد متطلبات اقامة الدولة الحضاريةالحديثة. وبسبب الانقسام الحاد في المجتمع العراقي بين المكونات اولا، وبين الكياناتثانيا، وبسبب ان منصب رئيس مجلس الوزراء مناط بالشيعة حسب نظام المحاصصةالبغيض، فان التعاون داخل المكون الشيعي هو حجر الاساس في التعاون على صعيدالمجتمع العراقي كله. ومنطلق هذا هو التعاون بين الصدر والمالكي.
وارجو ان تكون الرسالة قد وصلت!