المستقل / الشارقة
اتفق عددٌ من الكتاب المسرحيين، على أن ظهور المسرح الرقمي أثّر بشكل كبير على المسرح التقليدي الذي ألفناه وعشنا معه، إذ أثّرت التقنية بالسلب على التفاعل بين الممثل والجمهور، مؤكدين أن المسرح الرقمي “متأرجح” في الوقت الحالي.
جاء ذلك خلال جلسة “المسرح في العصر الرقمي“، جمعت الأديبة آمنة الربيع، واللواء سعيد الحنكي، والدكتور محمد يوسف، أقيمت ضمن فعاليات “معرض الشارقة الدولي للكتاب 41″، واعتبروا خلالها أن المسرح الرقمي اعتمد على مفهوم الحداثة ومفاهيم جاءت من فلسفات غربية، وبات الاعتماد على لغة الجسد يمثل 5% فقط، بينما الباقي هو عبارة عن تقنيات فقط.
وقالت الباحثة والأديبة المسرحية الدكتورة آمنة الربيع، إن علاقة المسرح بالعالم الرقمي الذي تحول حالياً إلى شبكة عنكبوتية تسيطرعلى حياتنا ومشاعرنا وتدفعنا إلى اتخاذ مواقف أحياناً غير واضحة تجاه التقنية بما يمكن أن تؤثره على حياتنا، أصبحت متداخلة، فلانستطيع أن نفصل مسرحنا عن هذه التقنية التي تمنح كثيراً منالدهشة اليوم.
وأضافت: “ولكن هذا لا يعني أن كل ما يتم تقديمه بواسطة التقنيات هو المسرح الذي ألفناه وعشنا معه في علاقة تفاعلية حيّة، فالسؤال الحالي هو: هل يقف المسرح مكتوف الأيدي، أم يستقبل هذهالتقنيات ويوظفها ويتفاعل معها، ويتحول الإنسان بمكوناته المادية والاجتماعية وغير ذلك من مكونات إلى ما يشبه الآلة؟”.
وتابعت الدكتورة آمنة الربيع: “العالم يتجه حالياً إلى التقنية بكل أشكالها، فقد تغيرت الوسائل والمفاهيم بكل أشكالها، وبالتالي فالعلاقة تشابكية، ولكنها ليست شكلاً من أشكال الصراع“، مشيرة إلى أن الكتابة المسرحية صارت تختفي الآن تحت صيحات المونودراما والمسرح التجريبي، ومن هنا “أخشى على المسرح، لكنلا أخاف عليه من صورته التي تعاطينا وتعاملنا معها من خلالالعروض المقدمة في المهرجانات“.
وذكرت أن المسرح الرقمي يتطلب ثقافة رقمية، فما لم تكن هناكثقافة رقمية لا يستطيع أي مخرج أو ممثل مسرحي أن يتعامل معهذا المسرح بأبجديات بسيطة جداً، ونشير هنا إلى الفلسفة التيجاء من خلالها المسرح الرقمي؛ فلا أريد أن أقول إنه نشأ علىأعقاب شيء ما، لكنه اعتمد على مفهوم الحداثة ومفاهيم جاءت منفلسفات غربية اتجهت إلى أنواع أخرى من السرد للرواية والشعر؛ فنقرأ عن الرواية التفاعلية والمسرح التفاعلي ولكن لم نشاهد تجارباستمرت طويلاً.
وواصلت: “عدد من الفلاسفة اتجهوا للبحث فيما يتعلق بمفهومالإنسان في عالم متغير فاقد للحقيقة ولم يعد يملك أي شيء سوىالبحث عن ذاته، إذ يتم البحث عن هذه الذات من خلال الانكفاءوالعودة للإنسان في صورته القديمة“، لافتة إلى أن التجريب فيالمسرح شيء قديم فقد يتجاوز ما أُعلن في المسرح الإغريقي، فضلاً عن ظهور ما سمي بالدراما الرقمية.
وذكر الكاتب والروائي وعضو اتحاد الكتّاب الإماراتيين اللواء سعيدالحنكي، أن المسرح الرقمي أو المسرح التفاعلي هو عبارة عناستخدام تقنية المعلومات في المسرح، وإن جازت لنا التسمية بأننسميه مسرحاً، لأن هناك وجهات نظر تختلف مع هذه التسمية.
وقال، إن المسرح الرقمي كما هو مطروح منذ بداية الألفية الحالية أو ما قبلها بـ10 سنوات، هو مسرح يعتمد على الحاسوب وعلى النص الذي قد لا يكون كاملاً وإنما يُكمل النص من خلال المتفرج؛ فنحن نعلم أن الأديب والمسرحي الألماني بريخت هدم الجدار الرابع في المسرح بحيث جعل المتفرج جزءاً من العمل المسرحي، ولكن ظل التفاعل ضمن إطار المسرح ثلاثي الجدران كما هو معروف، والجدار الرابع هدمه بريخت لكي يتواصل مع المتفرجين، وهذا التواصل قد يكون من ناحية ليست كما هي مطروحة في المسرح الرقمي.
ولفت إلى أن التواصل يرتبط بوجود الجمهور في الصالة مع الممثلين فوق الخشبة وما شابه ذلك؛ فالمسرح التقليدي هو الذي يتوجه الشخص والعائلة ويحجزون مكاناً لمشاهدته، لكن المسرح الرقمي يعتمد على جلوس الشخص في بيته أو في مقهى أو من خلال الحاسوب ويتواصل مع جهات معينة في أي مكان؛ فهو عالمي ويتم التواصل بشأنه عبر الأجهزة والحاسوب.
بدوره، أكد المتخصص في التشكيل الدكتور محمد يوسف، أن المسرح هو جسد وكلمة وفعل، لكن للأسف الشديد زاد الأمر عن حده؛ فالآن حينما نحضر مسرحيات نرى إضاءات زائدة عن الحد، لكننا ابتعدنا فعلياً عن لعبتنا الأصلية وهي لغة الجسد، لذلك أرىأن كثرتها غير إيجابية؛ فالمسرح انقلب، وإذا كان المسرح يعتمدعلى المهارات فقد صارت حاليا 5% والباقي عبارة عن تقنيات.
وقال: “لديّ قلق على المسرح حالياً، وأكثر من يتولون المسرح ليس لديهم خلفية لكنهم مقلدون “، لافتاً إلى أن الرقمية جيدة جداً وتجعلنا نشاهد المسرح في كل مكان، لكن الفعل والتفاعل والحركة من خلال الأشخاص الموجودين على الخشبة لم يعودوا كما كانوا، حيث أصبح الممثل مشوشاً، وفكر الكاتب نفسه قد يضيع.
وأضاف: “نريد أن نسيطر على الآلة وألا تسيطر هي علينا“، مؤكداً أن العلاقة بين الفنان والمشاهد أو المستمع هي علاقة تفاعلية حيّةوغياب العلاقات الاجتماعية أثّر بشكل كبير، لاسيما وأننا كعربلدينا ثقافة التكاتف والتفاعل الاجتماعي، لكن هذا العالمالاصطناعي أبعدنا عنها.