حسين فوزي
انعقد المؤتمر الجامع للقوى المدنية الديمقراطية قبل أسبوع، وكان اجتماعاً كبيراً حضره جمع مهم من الشخصيات الوطنية المدنية الديمقراطية، بجانب بعض الأحزاب المعروفة بنزاهتها ومسيرتها النضالية الطويلة لبناء دولة ديمقراطية، ضمنها الحزب الشيوعي العراقي. وكان من الأشياء المتميزة لهذا المؤتمر حشد الشبيبة الكبير.
والشيء المهم هو أن هذا النشاط السياسي المهم جاء في وقت أحوج ما يكون فيه العراقيون إلى وضوح بوصلة مسار الدولة العراقية التي تتقاذفها عصابات الفساد وعدم الكفاءة من وكلاء الرأسمال الأجنبي ودول الجوار والمرتبطين بمخططات قوى دولية كل همها حسم صراع النفوذ في المنطقة لصالحها، التي كان احتلال العراق بعضاً من ركائز خطتها لإحكام قبضتها على أكبر منابع الطاقة في العالم، الخليج العربي وإيران.
وجاءت طروحات المؤتمر مؤطرة للطريق المطلوب في منهاج واسع نحو استرجاع الدولة العراقية من مفتتيها والمال العام من سارقيه وتخليص العراق من عدم الكفاءة في الإدارة وإدارة شؤونه لمصلحة المجاورين الأقوى وبعض الذين يدفعون ليعرقلوا مشاريع وطنية كبرى مثل مشروع ميناء الفاو الكبير واستكمال طريق الحرير المحدث.
وفي يوم الجمعة 21 تشرين الأول أختممت فصائل ناشطة من التشرينيين واللجان التنسيقية لقاءاتها بإصدار وثيقة مهمة تتضمن 21 بنداً تشكل منهاجاً وطنياً شاملاً لما هو مطلوب عملياً لاسترجاع سيادة الدولة وقدرتها على البناء من خلال وقف نهب المال العام واسترجاع المنهوب منه، ووضع الكفاءات في المواقع الكفيلة بتحقيق العطاء والتفاني النزيه لبناء الكثير مما يحتاجه الشعب، في مقدمته المدارس والمستشفيات ومستوصفات الرعاية الصحية، بجانب تحريك عجلة الاقتصاد الوطني من خلال إعادة تشغيل ما تعطل من مشاريع إنتاجية، وبناء مشاريع إنتاجية جديدة تحرر العراق من استيراد كل شيء، بعد أن كان منذ الحرب العالمية الثانية قد بدأ بشكل متصاعد في إنتاج ما يحتاجه من السلع الخفيفة، وصولاً إلى ما بدأ به من خطط الصناعة الخفيفة الواسعة على طريق الصناعات الثقيلة، التي كان من معالمها معمل الحديد والصلب والأسمدة والورق والأسمنت والمعدات الكهربائية والبطاريات.
إن فقرات “وثيقة مبادئ تشرين” الصادرة في 21 تشرين الأول، تتناول في فقراتها 1-11 طبيعة النظام السياسي والاقتصاد المطلوبين وفق تطلعات الشعب لنهضة شاملة، وتكرس الفقرات 12-18 الركائز المطلوبة لضمان الحريات والحقوق ومعالجة المشاكل الاجتماعية ضمنها تحقيق لحمة عراقية متماسكة، وفي الفقرة 19 تؤكد طبيعة العدالة الانتقالية التي باتت تشمل مساءلة الفساد وقتلة ما قبل 2003 كذلك مستهدفي المحتجين السلميين وتغييب المعارضين بعد 2003. وأخيراً كرست فقرتين ختاميتين تؤكدان أن مستقبل أطفال العراق وشبابه وخدمة بقية مواطنيه ينبغي أن يكون هدف السلطة وليس الاستحواذ على المال العام، وجاءت الفقرة الحادية والعشرين لتؤكد أن الدولة ليست فوق الشعب والوطن، إنما هي سلطة لخدمة الشعب وحماية مصالح الوطن، ولا يجوز إضفاء قدسية على الدولة تبرر قمع إرادة الشعب وطموحه في حياة أفضل.
إن مؤتمر القوى المدنية الديمقراطية ووثيقة مبادئ تشرين تشكلان منعطفاً مهماً في تماسك القوى الطامحة للتغيير، وهي حالة تزيدها قوة الفضائح الأخيرة لسرقة المال العام، وهي لن تكون الفضيحة الأخيرة، فما خفي أعظم، عن حجم العصابات المنظمة لسرقة موارد العراق وتجريده من عوامل القوة التي ترتكز عليها السيادة الوطنية، وفي المقدمة منها إذلال المواطنين بحرمانهم من الحياة الكريمة والخدمات الأساسية الملحة، ليكفروا بالوطن. وهي جريمة منظمة تسللت إلى أرفع مواقع إدارة الدولة، التي يؤكدها الكتاب الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بـ”إبعاد” هيئة الرقابة المالية عن مراجعة وتدقيق استرجاع أمانات الكمارك.
إن هتاف “نريد وطن” هو الصوت الذي لا بد أن يعود عالياً، بالأخص في ظل تنازع المغانم الذي عرقل تشكيل حكومة السيد السوداني، بعد أن كانت هناك أمال في أن تكون للوزارة المرجوة يد حرة في معالجة مشاكلنا المتراكمة، لكن قوى المحاصصة عادت لتؤكد أنها ليست معنية بأي من تطلعات المواطنين، وكل همها ضمان حصة دسمة من كراسي السلطة و”عوائدها”. وكل ما في الأمر أنها أرادت من نزاهة السوداني صمام تنفيس للسخط الجماهيري القابل للانفجار في أية لحظة. وهي الحالة التي لم تقف عند الإدانة الجماهيرية العراقية، بل سبقها التنديد الشديد من قبل الأمم المتحدة بالقوى المتلاعبة بمصير الشعب العراقي ومستقبل الوطن في استباحتها لموارد العراق ومصادرة حقوق شعبه في حياة كريمة.
ملامح إرادة ودولة مستباحة / حسين فوزي
(Visited 3 times, 1 visits today)