جاسم مراد
متغيرات المناخ والتحولات السياسية العالمية ، جعلت الأمن الغذائي من أولوياتاهتمامات الدول ، فالعديد من دول العالم تعاني من شحة الغذاء ، والبعض الأخر ، يسعىلتقليل أو الاضرار بحصص الدول المتشاطئة في المياه ، واخرون يسعون لتحقيق الاكتفاءالذاتي في الغذاء ، ومنهم يمارسون الحصارات الاقتصادية والغذائية ضد الدول والشعوبالتي لاتتفق مع السياسات .
كل هذا مجتمعاً عاشه العراق في اواخر القرن الماضي ، وفي بدايات القرن الجديد ، وعلىوفق ذلك ماهي الإجراءات الوقائية والممارسات العملية التي استفاد منها ، بغية الخروجمن الازمات العالمية والوطنية باقل الخسائر ، فالوضع الراهن يكشف مدى ضعف التخطيطفي تحقيق الامن الغذائي بالرغم من الأراضي الشاسعة القابلة للزراعة ووجود نهرينيصبان في ارض العراق .
ففي كل عام زراعي نسمع بأن هناك ملايين الدونمات قابلة للزراعة وهي قابلة لاكتفاءالعراق من الحبوب ، لكن بعد حصاد الغلة يصبح البلد بحاجة لألاف الاطنان من الطحينوالرز لسد حاجة البلاد ، وفي نفس الوقت يبقى الزراع من الفلاحين وأصحاب الأراضييطالبون بسداد حصصهم المالية لقاء محاصيلهم المدفوعة لوزارة التجارة ، فكيف يمكنالمراهنة على فلاح لم يتحقق له حصته من مدفوعات الحبوب ، ومطالبته بزيادة زراعةالأرض ، إنها معادلة لا تستقيم بين الحقوق المالية المستحقة على الدولة وبين الجهدالمبذول في الزراعة .
الأمن الغذائي يحتاج الى عاملين مهمين أولهما التنوع في تحديث الزراعة وفي استصلاحالأراضي ومكننتها واستغلال المياه الجوفية بقدر كاف من الدراية والمعرفة ، والثاني العملبجهد حكومي الى كري المبازل وتنوعها وتنظيم المياه وتوزيعها بعدالة على الفلاحينوالمزارعين ومعالجة تسبخ الارض التي باتت تتسع وتكبر في اغلب مناطق العراقوبالخصوص في الأراضي الوسطى والجنوبية من ارض العراق .
وانت ذاهب الى محافظة ذي قار تجد بين ذي قار والمثنى الاف الدونمات من الأراضيالصالحة للزراعة لم تستخدم بتاتاً ، ولو تم استخدامها والاستفادة منها من مياه السيحأو الابار الجوفية لتكفي العراق والدول العربية ، لكن لا أحد يفكر في ذلك ولا مؤسساتالدولة الزراعية قابلة لاستغلالها ، ولو استغلت هذه الأرض بالإمكان تشغيل الاف الايديالعاملة العاطلة عن العمل وتتسكع في المقاهي .
ليس هذه الأرض وحدها ، وإنما هناك ملايين الهكترات من الأراضي متروكة ، وهي تحتاجالى خطط التنفيذ والى موارد مالية حكومية بغية إنجاح الخطط .
العراق لا يحتاج الى أراضي زراعية ، وإنما يحتاج الى عوامل تنفيذية وهذا ما ينقصالعراق ليس في الزراعة فحسب وإنما في الصناعة والبنى التحتية الأخرى لكون هذهالعوامل هو الجهد المساعد والمكمل للزراعة .
كثيرا ما نسمع قلة المياه أو حجز حصة العراق من الدول المتشاطئة تركيا وايران وسوريا ،ونتيجة لضعف السلطة الذي انسحب الى ضعف الدولة يبقى العراق رهناً بمواقف تلكالدول ولم تتمكن الحكومة العراقية بالرغم من الأوراق العديدة التي تمتلكها من تفعيلهاوتحقيق حصة العراق من المياه في دجلة والفرات ، صحيح إن المتغيرات البيئيةوالجغرافية اثرت على المياه في عموم الدول لكن هذا الأمر لا ينحصر على حقوق العراقوحده .
الأمن الغذائي هو من أهم مستلزمات الحياة والاستقلال للدول والشعوب ، وإذا مابقيالعراق يلوك الكلام ويصدر الوصايا فأنه يقينا يبقى اسير الدول الأخرى ، وبالتالي فأنأزمات الحاجة لتغطية مستلزمات المواطن من الغذاء تبقى مستمرة ، سيما وأن سلة الغذاءعبر البطاقة التموينية تبقى عاجزة الى حد بعيد في مواجهة ارتفاع الأسعار ، ويبقىالمواطن هو الجهة الوحيدة المستهدف في تنافس التجار على صعود الأسعار وغيابالدولة وسلطاتها عن معالجة هذه الازمة .
اليس من الغريب في وطن هو الأعلى موارد وامكانيات من عموم بلدان الشرق الأوسطوافريقيا أن تكبر وتتوسع رقعة الفقر بين ابناءة لتصل حسب اخر الاحصائيات بين ( 30و35% ) والمعتاشون من الأطفال على قمامة الزبالة للحصول على البلاستك العتيقتكثر وتكبر ، دون ان يكون هناك حلولا مقبولة .
الازمة الراهنة بين الاتحاد الروسي من جهة وامريكا وأوروبا من الجهة الأخرى هي واحدةمن الازمات الكبرى القادمة ، والدولة التي لم تقرأ مقدماتها ومفاعيلها ستقع حتماً في أحدالخنادق ، وهذا ما يحتم على العراق دولة وسلطة وقوى سياسية قراءة الأمر برؤية واضحةمن اجل امن المواطن ومستلزمات حياته .
الغرب وامريكا اعتادت في كل خلاف مع الدول الأخرى أن تستعمل الحصار في المواجهة ،وهو الحصار الذي يستهدف الشعوب قبل الحكومات ، وبما إن روسيا تمتلك الإمكانياتالضخمة في الغذاء والصناعات التحويلية الأخرى فهي قادرة فعليا على التغلب على كلذلك، وان المتضرر هو الشعوب الأخرى وكذلك أوروبا .
إن الامن حق مشروع لكل الدول والشعوب ، فليس من حق أحد أن يعبر البحار ويدمر دولأخرى بحجة الامن لبلدانها ، كما حدث للعراق وايران وأفغانستان وسوريا وليبيا وفنزويلاوكوبا وبلدان أخرى ، ولا يحق لروسيا حماية امن خاصرتها من كرواتيا بعد زحف الأطلسياليها.
المهم إن العالم يعيش على أبواب تحولات كبرى إن كان ذلك عبر التنافسات المسلحة أو منخلال الحصارات الاقتصادية ، فعلى الحاكمين بالعراق الانتباه لذلك والبحث بجدية وعلىوفق خطط مدروسة انية ووسطية وبعيدة المدى لتحقيق الامن الغذائي للشعب وتطويرمنابع المياه عبر استغلال المياه الجوفية ومكننة الزراعة والاهتمام بشؤون العاملين فيها ،ألا يكفي طيلة ( 19) عاماً الصراع على السلطة ونهب الموارد ، والالتفات الى الشعبوتحقيق مطالبه في الحياة الكريمة كسائر شعوب الأرض المتمدنة ..