د. رقيق عبد الله / كاتب جزائري
و نحن نعانق التاريخ بشموخ الاحرار و نبل الفرسان و تصميم الرجال، رجال الثورة الجزائرية, رجال الله صدقا وعهدا فكان الفاتح من
نوفمبر 1954 تاريخ التحول الفاصل في تقرير مصير الجزائر وتتويجاً عظيماً لمقاومة شعبية ضروس، واجه بها الشعب الجزائري الحر مختلف الاعتداءات على ثقافته وقيمه، والمكونات الأساسية لهويته و كينونة وجوده.
حيث أن البشرية لم تشهد في القرنين التاسع عشر والعشرين إبادة جماعية لشعب أعزل كالتي وثقها العالم عن الاستعمار و الاستدمار الفرنسي الغاشم في الجزائر، ليبيد أكثر من 8 ملايين من الجزائريين لقرن و اثنين و ثلاثين سنة فكانت “المحرقة الفرنسية في الجزائر”. و طوال هذه السنين لم يستكن الجزائريون و خاضوا مقاومات شعبية مسلحة لأكثر من سبعين سنة.
ليكون الفاتح نوفمبر 1954 اعلانا عن ثورة آمن رجالها بقدراتهم و بمبادئهم واقتنعوا ان ما سلب بالقوة لا يسترد الا بالقوة وان شجرة الحرية لا تثمر الا اذا سقيت بدمائهم. فالثورة الجزائرية لم تكن ثورة عادية تقوم بعملية التغيير فقط و إنما ثورة قامت لكي تغير عجلة التاريخ پأكمله واقعا و حياة.
ان الثورة الجزائرية هي ثورة أمة و شعب قدم روحه فداء للوطن فقدمت الجزائر خيرة أبنائها شهداء من اجل نيل الحرية، ودفع شعبها ثمنا باهضا لاستقلاله، فكانت ثورة استلهم منها كل احرار العالم سحر خلودها و براءة قيمها و تصميم رجالها و نبل فرسانها فشكلت الثورة الجزائرية أساسا للمشاركة الفاعلة لكل حالم بحريته و كرامة انسانيته، انها شعاع النور الذي يسترشد منه الآخرون قيم المقاومة و الصمود، الاصرار و القوة.
فالثورة الجزائرية هي منارة للذاكرة المركزية و الجماعية للامة الانسانية جمعاء ومرجعا للشعوب التواقة للحرية، تلك الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار،و خلقت الثورة الجزائرية وعيا جماعيا في تراث الانسانية أن صفحات الكفاح الشامخ الذي خاضه الشعب الجزائري منذ أن دنست أقدام الاستعمار أرضه الطاهرة كتب بأن الحرية قيمة الإنسان و وجوده، كرامته و خلوده، فالشعوب المستعمرة و الحالمة بالحرية لا تموت.
ان شموخ الثورة الجزائرية و رجالها غير مجرى حياة شعب كتب في التاريخ قيم الانفة و رفض المذلة.
إن ما قدمه الشعب الجزائري لنيل استقلاله تعجز الكلمات كما النطق عن وصفها أو التعبير عنها من احداث طويلة و حزينة تجمع بين البطولة لرجالها والمأساة التي تعرض لها شعبنا من تعذيب و إبادة من طرف مستعمر منتقم و كذا بين الظلم الاستعماري الذي ليس له حدود والمقاومة الشامخة التي لم تنكسر يوما، فكانت الحرية و كان الاستقلال بفضل تضحيات الشهداء ليسقط في ميدان الشرف مليون و نصف المليون شهيد، و كذا ملايين اليتامى والثكالى والأرامل، و لو تكلمت الجبال و الصحارى، الوديان و السهول لنطقت أن من قاوم و صمد هنا هم رجال الله على أرضه.
إن الفاتح من نوفمبر هو ليس تاريخ ثورة صنعت حدثا في التاريخ و ظفرت بالاستقلال، إن الفاتح من نوفمبر هو تاريخ ثورة علمت الانسانية أن قيم الشموخ و الحرية لا تموت و أن فرنسا و طغيانها، حلفاؤها و جبروتها لن تنتصر على شعب إرادته من إرادة الخالق و إرادة الخالق لا تقهر.