معضلة التعليم وفرص العمل

معضلة التعليم وفرص العمل

قبل الخوض في تفاصيل المعضلة لابد من
الاشارة الى ان ما يعانيه قطاع التعليم العالي
ومؤسساتها التعليمية وتسلسل الاحداث
وصولاً الى ايجاد فرص عمل للخريجين ما
هي الا نتيجة تراكمات لسنوات عديدة فهي
بالتالي ليست وليدة الساعة ولايمكن لطرف
واحد تحمل وزرها وذلك بسبب الظروف
الاستثنائية التي مرت وتمر بها الدولة
العراقية منذ سنوات، رغم ذلك نجد لازماً
مناقشة هذا الموضوع لغرض ايجاد حلول ان
امكن ذلك او تشخيص المعضات في اقل
تقدير .
ان ما يحصل في الباد من اشكالات في
ايجاد فرص عمل ودراسة المستوى العلمي
للمؤسسات التعليمية بصورة عامة والتعليم
العالي بصورة خاصة يجعلنا نناقش ثاث
نقاط مهمة وهي :
اولاً: ان العالم بصورة عامة باتت تتاثر
فيها الدول ببعضها البعض نتيجة التطور
الرقمي والسوشيال ميديا و العولمة لذا فان
ما يطرأ على الدول سوف يتاثر به العراق
ايضا بطريقة او باخرى واجاً ام عاجاً ،هذا
يجعلنا ان نركز النظر في التقرير الصادر من
منتدى الاقتصادي العالمي قبل فترة حيث
اشار التقرير في جنباته رئية خاصة حول
الوظائف المرغوبة او التي سوف تستمر
حاجة المجتمعات اليها حالياً وفي المستقبل
القريب وهي الفترة المتضمنة في طياتها
الجيل الحالي الناهض، فقد ورد في التقرير
ان الكثير من الوظائف الحالية سوف تفقد
بريقها و لن تكون هناك حاجة فعلية لها
في المئسسات الحكومية والقطاع الخاص
الى خدماتها، وعلى هذا الاساس فهناك
احتمالية فقدان لحوالي 90 مليون موظف
لوظائفهم في العالم بحلول 2025 ) لو قمنا
بعملية نسبة و تناسب بسيطة لهذا الرقم
مع النسبة السكانية للعالم والعراق فهذا
يعني ان اكثر من 400.000 اربعمئة الف
مواطن سوف يكونون على حافة الخطر في
عقد من الزمان ( كنتيجة لانتفاء الحاجة لكثير
من الاختصاصات الرائجة، فمثا قبل خمسين
سنة كانت هناك حاجة لتخريج اختصاصيين
في مجالات البرق والبريد، اما الان فا حاجة
لهذه الاختصاصات بتاتاً فالتلغراف او البرقية
اختفت تماما بدخولنا عصر الانترنت والتقنيات
الرقمية. مثال اخر انتفاء الحاجة لمهندسين
ضمن اختصاص بناء الطائرات الخشبية وذلك
لعدم وجود حاجة لبناء هياكل الطائرات
من الخشب بعد البدء باستعمال السبائك
المعدنية الخفيفة الوزن ، وهكذا العشرات
من الوظائف والاختصاصات اختفت على مر
السنين ومختلف العقود.
ماذا يعني ذلك ؟
ذلك يعني انه على الدولة العراقية مراجعة
جامعاتها وكلياتها واقسام الكليات وفروعها
لمعرفة فيما اذا كانت الاختصاصات التي
تخرجها الدولة العراقية و )المتمثلة بوازرة
التعليم العالي والبحث العلمي( هل ستكون
هذه الاختصاصات الموجودة حالياً فعالة في
المجتمعات في المستقبل القريب ام انها لن
تعدو ان تكون شهادة تفيد حاملها كشهادة
جدارية وكمرحلة لابد من انجازها .
وهنا نجد لزاماً وجود رؤية واضحة للتعليم
العالي بهذه الخصوص بالعمل المتزامن مع
وزارة التخطيط بدراسة تلك الاختصاصات
واعدادها وفرص العمل لها فوزارة التخطيط
تعمل على تأطير هذه المهام حيث تقع على
عاتقها هذا الامر ولديهم الامكانيات لذلك
وتبين الخطوط الرئيسة للتعليم العالي من
خال الوزارة القطاعية كجهة تنفيذية لرؤية
التخطيط الآني والاستراتيجي لقطاع التعليم .
ثانيا : عدم ورود فعلي للجامعات العراقية في
التصانيف العالمية للجامعات حسب المستوى
العلمي لهم ومنذ سنوات خلت، وليستمر
انخفاض مستوياتها بالمقارنة مع جامعات
في دول اخرى و ليصل هذا الانخفاض الى
خروج الجامعات العراقية من مؤشر المعرفة
في انتكاسة علمية وخيبة اكاديمية واضحة،
فمئشر المعرفة يعتمد على نقاط مهمة في
تقييم الجامعات قد يكون في مقدمتها عدد
البحوث المنشورة للكوادر التدريسية والعلمية
للجامعة وكذلك وجود مجات مقيمة رصينة
في تلك الجامعة ام لا ) من وجهة نظرنا
لا يمكن اعتبار اي جامعة او كلية مؤسسة
تعليمية متكاملة بدون ان تكون لها مجلة
محكمة ومقيمة رصينة. ومن المحزن ان
تكون هناك مؤسسات تعليمية لاتوجد في
فيها مجات بحثية رصينة( وبالطبع اضافة
الى ذلك البيانات المستخدمة في تلك البحوث
والدراسات ومدى تعاون قطاعات الدولة في
توفير تلك المعلومات .
ثالثاً: الكم الهائل من المؤسسات الحكومية
والاهلية للجامعات والكليات ومختلف
المؤسسات التعليمية )ونركز على كلمة
‘الكم’ وليس عدد ولا نوع لان التواجد كمي
وقد تفتقر في كثير من الاحيان الى دراسات
جدوى حقيقية(، وهذا لا يعني بتاتاً عدم
السماح بفتح مؤسسات تعليمية جدية بل
لابد من التركيز على ضرورة فسح المجال
للقطاع العام والقطاع الخاص في غور
مضمار هذا المجال وتشجيع مختلف القطاعات
على تأسيس وفتح مؤسسات تعليمية مختلفة
الاختصاصات والمستويات ولكن لابد ان
تخضع هكذا خطوات الى عدة معايير اهمها :
1 دراسة الجدوى العلمية )وليست دراسة
الجدوى الاقتصادية كمشروع جامعة او كلية(
و هل الدولة العراقية بحاجة الى هكذا
اختصاصات بهذا العدد الهائل ومع تخريجهم
يوجب على الدولة ايجاد فرصة عمل لهم،
هل الدولة العراقية مستعدة لهكذا فيض
كبير من الاختصاصات العامة.
2 المعايير العالية للمرفق التعليمي المتمثلة
بعدد كوادرها واختصاصاتهم وامكانياتهم
العلمية .
3 فرضية عدد البحوث والدراسات التي يجب
ان تنجز سنوياً في هذه المؤسسات العلمية .
4 التوزيع الجغرافي للمؤسسات التعليمية.
5 الابنية والمرافق الخدمية والمختبرات.
6 العمل على مبدأ الكابس العلمي وعلى
مختلف المراحل الاولية والعليا )وعدم اقتصاره
على المراحل العليا من مراحل الماجستير
والدكتوراه( لغرض تمحيص المستويات
التعليمية وذلك من خال متابعات لنماذج
عشوائية من الطاب والاساتذة والمناهج
والاختبارات المرحلية.
7 معايير وموافقة وزارة التخطيط في حاجة
الباد الى الاختصاصات واعداد الخريجين
وهذه النقطة لابد ان تكون الزامية في السير
قدماً في فتح المؤسسات التعليمية الجديدة .
رابعا: تغير فلسفة التعليم العالي في
الباد )فقد تحولت الجامعات الى فرصة
عمل واسترزاق بدلاً ان تكون حلقة مهيئة
لانتاج افراد لهم فرصة عمل و مهيئة
لخلق فرصة عمل( وعلى هذا المبدأ يتكاثر
لدينا المؤسسات التعليمية والتي تعتمد
على استجلاب طلبتها باختصاصات وفروع
قد تكون الدولة العراقية زاهدة فيها منذ
الان وليس حتى مستقبلً ولتوظف هذه
المؤسسات كوادرها وتستمر هذه العجلة
بالدوران ويستمر تكاثر المؤسسات التعليمية
كفرصة عمل لنفسها، ولتخرج سنوياً الالاف
من الشباب ممن يبحثون عن فرصة عمل
وقد يكون فيهم من لم يتم تاهيله فعليا
بسبب المستوى العلمي المتواضع للمؤسسة
التي تخرج منها او ان يكون هذا الخريج
ضمن اختصاصات لا تحتاجها الدولة العراقية
ضمن هذا العدد الهائل وليكون هذا الشاب
او هذه الشابة امام خيبة امل كبرى بعد
ان استهلكوا سنوات من اعمارهم ومعاناة
عوائلهم لتوفير مستلزمات الدراسة.
فعلى القائمين على الامر تدارك هذا
الموضوع و البدء فورا في وضع خطوات
سليمة وجدية لغرض انقاذ ما يمكن
انقاذه وعدم التساهل في المستويات
العلمية للمؤسسات التعليمية المختلفة مع
اعادة النظر في الاختصاصات وايقاف تلك
الاختصاصات التي اصبحت الدولة العراقية
متخمة بها وكذلك فتح اختصاصات جديدة
مواكبين بذلك دول العالم، بغير ذلك سوف
نرى تراجعاً اكثر واكثر في هذا القطاع الذي
كان مضربًا للامثال في رصانتها في فترات
سابقة من عمر العراق، فأرض الرافدين
منبع العلوم والعلماء واولى المدارس
بصيغة الجامعات كانت على ارض العراق مما
يوجب استدامة هذه الحالة ورفع المستوى
التعليمي.

(Visited 8 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *