د.احمد عدنان الميالي.
تعرضت الهوية العراقية الوطنية بعد العام ٢٠٠٣ الى تحديات متعددة، ادت الى تحول هذا المفهوم من الوحدة الى الانقسام، رغم ان المراحل التأريخية منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية سقوط النظام البعثي، لم يكن فيها الحال افضل مما هو عليه الان، لكن عمدت الدكتاتوريات المتلاحقة على قمع الهويات الفرعية بهوية واحدة تقاذفتها مسميات ومستويات مختلفة، لكن هذا الحال لم يؤدي الى تفكيك النسيج الاجتماعي للمكونات العراقية الى حدٍ ما كما حصل في العراق بعد العام ٢٠٠٣ ، ورغم تجاوز العراقيين هذا التحدي ولملمتهم الخلافات والانقسامات الدينية والطائفية التي مروا بها منذ العام ٢٠٠٦ ولغاية العام ٢٠١١، لتبدأ مرحلة المصالحة والمساكنة اللاارادية للشعب نتيجة تململه من الصراعات الاجتماعية والطائفية ومعرفته ان الاقتتال الذي حصل كان نتيجة الاحتلال الامريكي من جهة ، والطبقة السياسية الحاكمة من جهة اخرى، اذ ادرك الشعب العراقي ان قياداته السياسية لاتمثل النمط الديمقراطي ولا النمط الاسلامي بل تمثل نمطاً فرديا سلطويا ليس تشاركيا جماعياً، اذ عملوا ساسة العراق على عزل جمهورهم من عملية بناء الدولة والمشاركة في الفعل السياسي، واكتفوا بإدامة زخم الصراعات وخلق الازمات وتوليدها؛ لأنهم يدركون ان استدامة بقاء زعامتهم مرتبط ببقاء الصراع وان زواله يعمل على اضعاف ذلك ويقلل من ضرورة وجودهم فالازمات تعزز الحاجة اليهم وفق مايريدوه ويتصوره لصالحهم وليس وفق مايريده جمهورهم من تحقيق تطلعاتهم ومصالحهم.
ان عودة ضعف وهشاشة الهوية العراقية الذي تصاعد بعد العام ٢٠١٨ ولغاية الان سببه الساسة الذين اصروا ويصرون على بقاء الشعب في اطر استدامة الازمات والصراعات، اضافة الى تعطيل عملية بناء الدولة، فهذا يعمل على اجتذاب الجماهير نحوهم بفعل الادلجة السياسية الذي غيب الهوية الوطنية الواحدة للعراقيين، وأَنتج هويات مسيسة ممزقة خالية من الوحدة الوطنية والروابط المؤسساتية التلاحمية، فالطابع الأحتكاري للساسة والاحزاب بمجمل تفرعاتها على السلطة والثروة اضافة الى الاختلالات الدستورية والمؤسساتية غَيَبَ الاستقرار السياسي المتوازن، وجَعَلَ أَرادة الامة والهوية الوطنية مشلولة بأرادة ممثليها (النخب السياسية ) وهذا انسحب على إستقرار النظام السياسي والمؤسساتي، الذي اصبح رهينة وتابع بيد الساسة دون إستقلالية، وأَصبح خلالها الشعب فاقد لوجوده و مجرد من إِلارادة والمصلحة الوطنية، ممزق على نحو فرعي تتحكم فيه المصالح الخاصة المسيسة، فالعلاقة الوظيفية المصلحية هي التي تحددُ أَستقرار الشعب بكل اطيافه مع الدولة كجهاز حكم، إلا في حالة تعالي الاولى وأختلالها عن تمثيل الثانية، مما يعملَ على تمزيقها وتغريبها، وهذا هو الحاصل الان.
المشكلة المضاعفة الان ان الهويات الفرعية والمكوناتية لم تعد هي الاساس في الصراع وتجذر الانقسام، بل الاساس المقلق في التصدع والانقسام داخل الهوية الفرعية الواحدة فلم يعد الان الحديث عن اقتتال مذهبي طائفي بين السنة والشيعة او اقتتال قومي بين العرب والكرد؛ بل الواقع ان التصارع وقرب وقوع الاقتتال بات بين المكون الواحد والطائفة والمذهب الواحد، كما يحصل الان بين التيار الصدري والاطار التنسيقي، والمشكلة الاكبر ليست بالصراع والتفرقة بين ساسة المكون والمذهب الواحد، بل بين جمهور المذهب نفسه المنقسم سياسيا وفق مراج وروئ ساستهم، مستوى الاحتقان والتصارع والتباغض بين اتباع القادة والساسة، وصل الى مستويات غير معقولة وغير مبررة خاصة ان الجيل الشبابي هو وقود هذا الصراع لانه لم يتعايش بشكل مباشر مع مأساة الحروب الطائفية والقلق الاهلي الذي مر العراق به عام ٢٠٠٦ صعودا.
يمر العراقيين الان بازمة لاتجانس وطني طائفي مذهبي داخل كل واحدة من هذه المستوعبات اضافة الى خارجها على نحو اقل ، نتيجة التأثير الايديولوجي والتسيس المفتعل والتوترات السياسية التي خلفتهُا التراكمات السياسية منذُ تأسيس الدولة العراقية إلى يومِنا هذا، مما ادى الى تمزيق وحدة الهويات الفرعية والوطنية، نتيجة سياسات التفتيت التي مارسها الساسة الان؛ ليبقوا في الواجهة من جهة، ومحاولة الانفراد والاستحواذ على السلطة من جهة اخرى.
العراق شعب متجانس فرقه الساسة / د. أحمد الميالي
(Visited 69 times, 1 visits today)