ظاهرة سلمان العودة – عارف العضيلة

**شمال شرق

*عارف العضيلة
هو ظاهرة أنطلقت من السعودية. ساعدتها ظروف الزمان والمكان التي وجدت عقلية تجيد صناعة التلون والتغير وفق كل مرحلة.
عقلية تجيد الظهور والإختفاء والبروز والإنزواء والإستسلام وإعلان الصوت المرتفع. بدهاء شديد ..
سلمان العودة الذي درس في المعهد العلمي في ستينات وسبعينات القرن الماضي والمعهد العلمي هي مدارس دينية تعادل المرحلتين المتوسطة والثانوية يدرس الطالب بها علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية فقط.
تأثر كثيراً بأستاذه في المعهد العلمي وشيخه محمد سرور زين العابدين (وهو مؤسس جماعة السرورية وهي النسخة السعودية من جماعة الإخوان)
أنهى دراسته الجامعية .. وكان نشاطه الدعوى يقتصر على الخطب والدروس الدينية في المساجد .. لم يبرز ولم يتمكن من الوصول للإعلام المرئي ولا المسموع ولا المكتوب. خاصة في ظل وجود علماء كبار لهم مكانتهم الدينية والإجتماعية.
رغب سلمان العودة بالمجد والشهرة والمكانة الرفيعة .. ولم يجد إلا الخروج عن شكل عالم الدين التقليدي .. فوجد مرحلة حرب تحرير الكويت وتبعاتها 1990 – 1991م فرصة مناسبة للظهور مستغلاً وجود فئة من جماعة الإخوان لها رأي مغاير لإجماع الأمة.
ولأنه بارع في إستغلال الفرص .. ورغبة منه الحصول على الشهرة والمكانة الرفيعة .. فقد أختار له طريقاً لم يكن معروفاً يومها .. فقد قرر منازلة المفكر والأديب السعودي الشهير غازي القصيبي .. الذي كان يكتب زاوية سياسية في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عنوانها (في عين العاصفة) .. نازله في محاضراته وخطبه وأشرطه الكاسيت التي كان يصدرها ..
وحقق له ما أراد من شهرة .. وكثر أتباعه بشكل لم يتوقعه هو نفسه .. فمكانة غازي القصيبي وشعبيته هو من صنعت الشهرة السريعة لسلمان العودة وبعض رفاقه الذين سلكوا منهجه .. في التسلق على أكتاف غازي القصيبي.
بعد علوا مكانته وشأنه وإزدياد متابعيه قرر قيادة تنظيم سري يسعى إلى إحداث الفوضى والإضطرابات في وطنه.
لتبلغ ذروة أنشطته فتنة أغسطس 1995م والتي قادها بشكل كامل مع وجود أذرع خارجية لتنظيمه .. سعت هذه الفتنة إلى خلق الفوضى وعدم الإستقرار .. وكان أكبر تحدي يواجه القيادة السياسية السعودية منذ حادثة إحتلال الحرم المكي الشريف عام 1979م ..
ومارست القيادة السعودية عملية ضبط النفس والنفس الطويل .. رغم كم المخالفات الكبرى التي أرتكبها سلمان العودة ورفاقه .. حتى صدر توجيه مفتي عام السعودية الذي وجه بضرورة كف أذى وشرور سلمان العودة.
وتم القبض عليه وتحديد إقامته .. وتعاملت السلطات مع ذيول وتبعات فتنته بحسب ما يتطلبه الموقف ..
وظن الكثيرون أن فتنة سلمان العودة قد أنتهت إلى الأبد ..
ويستخدم سلمان العودة فنون التلون والمراوغة التي يجيدها بإقتدار ويعلن ندمه على ما أقترفه .. ويتعهد بعدم تكرار ما أقترفه .. لتقرر السلطات السعودية إخلاء سبيله ومنعه من السفر ومنعه من الخطابة والدروس كان ذلك في العام 1999م.
ظل العودة حراً طليقاً يمارس حياته الطبيعية إلا أنه كان مبتعداً عن الأضواء والظهور.
فيحل العام 2003م ويضرب إرهاب القاعدة بقوة المملكة العربية السعودية ولأنه كما أسلفنا يجيد إستغلال الفرص ويجيد الصعود عليها وتحقيق المكتسبات. طلب العودة السماح له بالظهور لإستنكار العمليات الإرهابية. ولأن عدداً من أعضاء تنظيم القاعدة كانوا من طلاب العودة ومؤيديه ومن المتأثرين بفكره فقد قررت السلطات المختصة السماح للعودة بالظهور في وسائل الإعلام .. وتحقق لسلمان العودة ما حلم به طويلاً وسعى إليه.

أرادت السلطات أن توجه رسالة مباشرة لأعضاء القاعدة العاملين في السعودية مفادها: (هؤلاء العودة ورفاقه الذين كانوا شيوخكم ويعارضون الدولة وحكامها. ها هم الآن يستنكرون أفعالكم .. وصاروا موالين للدولة ونادمين على ما أقترفوه في السنوات الماضية).
ظهر سلمان العودة بمظهر شيخ الدين المستنكر للعنف وللإرهاب المناضل من أجل الدولة والقيادة والناصح الأمين للمجتمع ..
وشكل ظهوره المتكرر هذا في مختلف وسائل الإعلام صدمة للمجتمع حيث شاهدوا لأول مرة لسلمان العودة وقد غير أراءه وأفكاره السابقة وبالأخص أولئك الذين سجنوا وعوقبوا بسبب تأيدهم ومساندتهم لسلمان العودة في أيامه السابقة.
ومع كثرة ما يتعرض له من نقد لاذع وتساؤلات تستغرب تغييره المفاجئ قرر الإنتقال من مدينته إلى العاصمة الرياض. والذي جذبت بأضوائها وإعلامها ونشاطها الاقتصادي والثقافي سلمان العودة ..
وهناك تحول العودة إلى أحد نجوم المجتمع يحضر المؤتمرات والندوات والملتقيات ويقابل لاعبي الكرة والفنانين. ويحضر جلسات القادة وعليه ويتوالى بالظهور الإعلامي بشكل متواصل .. وحقق من ذلك إنتشار عالمي ..
ومع هذا البروز والتغير والتحول المستمر في خطابه الإعلامي والفكري. ولأنه يجيد التلون والمراوغة فقد نجح في أن يلعب بالبيضة والحجر وأن يرقص بين الأفاعي بكل نجاح. حيث أنه تمكن بدهاء شديد بأن يكون بارزاً بين الجماعات الإسلامية المتشددة والحكومات والشعوب في آن معاً.
وتولى مناصب قيادية مهمة في عدة تنظيمات ومنظمات ومن خلالها كان يمارس أنشطته المشبوهة وشديدة السرية.
وحين حل الربيع العربي كان له دور بارز ومهم في زرع الفتن وتغذية الخلافات وتشجيع العنف والإقتتال بين أبناء الوطن الواحد ..
وأرتمى في أحضان دول إقليمية وساهم في تحقيق أجنداتها الضارة لوطنه وللأوطان العربية.
ومارست السلطات أشد درجات ضبط النفس. ومنعته من السفر ومنعت ظهوره الإعلامي بعدما انكشفت الكثير من الحقائق التي تدينه ..
لكن العودة يستمر في ممارسة خدعه وغاياته السرطانية المضرة ..
وحيث بلغ الحلم منتهاه ولأن العفو والصفح قد يكون مضراً مع البعض. ولحماية الدولة والأمة ومصالحها العليا يصدر القرار الشجاع بالقبض على سلمان العودة وإحالته إلى النيابة العامة ومواجهته بالتهم المنسوبة إليه. وإعطاءه كافة حقوقه النظامية بالدفاع عن نفسه ..
وأحسنت القيادة السياسية السعودية صنعاً .. لأنها كفت أذى وشرور سلمان العودة عن الوطن وأبناء الوطن والأمة التي خدعها طوال السنوات الماضية.

كاتب سعودي – الرئيس التنفيذي لدار مصادر للدراسات والأبحاث الإعلامية
للتواصل تويتر / @msader16


مشاركة المقال :