د احمد عدنان الميالي
من اصول الحكم الديمقراطي ان تحكم الاغلبية التي يصار لها تشكيل الحكومة وفقا لهذه الاغلبية داخل البرلمان فقاعدة الاغلبية النيابية اول اساسيات الديمقراطيات التمثيلية فلا يمكن لاي حكومة منتخبة ان لاتشهد اختلافا بين مكوناتها ولاتحصل على مساندة للبرنامج الحكومي بنجاح اذا كانت قائمة على اساس التوافقات والمحاصصة والحسابات السياسية الضيفة الخادمة لمصالح الاحزاب والقوى السياسية المشكلة لتلك الحكومة. في حالة العراق هنالك مغادرة لهذا الشرط فلم يشهد لغاية الان ولادة حكومة اغلبية نيابية منسجمة حاصلة على تأييد دائم لبرامجها ومشاريعها ولن تحصل اي حكومة لغاية الان على دعم للسياسات العامة ومشاريع القوانين والقرارات التي تتخذها من كل المكونات السياسية.
وان افترضنا تحقيق اغلبية نيابية مستقبلا فيجب ان تكون هذه الاغلبية منسجمة مدافعة عن مختلف السياسات الحكومية واجراءاتها وقادرة على ضمان الثقة والتماسك، فاي رئيس حكومة لايكفي ان يكون مرشح الكتلة الاكبر بعدد المقاعد النيابية بل يجب ان يحصل على اغلبية برلمانية منسجمة يستطيع من خلالها الاستمرار بالمنصب بنجاح وكفاءة وقدرة.ان الاغلبية المنسجمة تشكل قاعدة فعلية تجسد السيادة الشعبية بمعناها السليم، من خلالها يتم اتاحة التبادل الدوري للادوار بين تلك الاغلبية والمعارضة الفاعلة، سنحت فرصة بعد الانتخابات المبكرة الاخيرة ان تتشكل حكومة اغلبية بعد تشكل التحالف الثلاثي” انقاذ وطن” بعد تحقيقه اكثر من ٢٠٠ مقعد في البرلمان ، الا ان تفسير المحكمة الاتحادية باشتراط توفر نصاب الثلثين لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية عطل امكانية الذهاب الى ترسيخ اول قاعدة للحكم الديمقراطي للانظمة النيابية وهو حكم الاغلبية.
اما ثاني قاعدة فهي ضرورة وجود معارضة فاعلة، فمن اصول الديمقراطية وجود معارضة فاعلة تراقب وتحاسب وتدقق في سياسات حكومة الاغلبية ، ويعد هذا السياق من اهم مؤشرات قياس مدى ديمقراطية النظام السياسي، لانها تعبير حقيقي عن التدبير الايجابي للاختلاف وعن التعددية الاجتماعية المجسدة في الاطار السياسي والمؤسسي عبر الانتخابات، كما تعد تعبيرا عن الاعتراف الواعي والمتبادل بين مختلف القوى السياسية التي ستعتمد في ظل سيناريو الاغلبية المنسجمة والمعارضة القوية على برامج واقعية قابلة للتطبيق تؤطر الممارسة السياسية وتجعل من اللاعبين السياسيين يحترمون قواعد اللعبة السياسية بعيدا عن الحسابات والمصالح الفئوية.
في حالة العراق لازالت الانتخابات فيه تعتمد على التحالفات الهشة والمؤقتة والمرتجلة والمتناقضة بايديولوجياتها وخلفياتها وبرامجها ومواقفها، التي تدخل في اطار مايسمى حكومة التوافق والشراكة بالمواقع والمناصب بما يجعل الكل يحكم ويعارض بذات الوقت، وهذا يكرس صفة الصراعات السياسية والحزبية ويؤدي الى الانقسام والتفكك ويضعف الاداء الحكومي ويشتت التحالفات الحزبية ويوتر الاجواء ويصدع الانسجام ويفرض سياسات ليّ الاذرع والسلة الواحدة والصفقات والتسويات المؤقتة وترحيل الازمات والمشاكل والاستحاقات بدل تطبيق الدستور والبرنامج الحكومي، فلا يوجد في العراق اغلبية منسجمة تحكم ولا معارضة قوية تراقب، وكان بالامكان لقوى الاطار التنسيقي مع جزء من المستقلين ان يمثلوا نموذجا مثاليا للمعارضة الفاعلة في البرلمان فيما لو تشكلت حكومة اغلبية سياسية يقودها التحالف الثلاثي في حين يبقى الاخرون في المعارضة يمارسون دور الرقابة.
بعد انسحاب الكتلة الصدرية واختلاف التوازنات النيابية والسياسية طرح الاطار التنسيقي العودة الى مفهوم الشراكة والتوافق في ادارة العملية السياسية مع الاخرين وهذا يمثل عودة للتجارب السابقة التي تبنت المحاصصة في المواقع والمناصب كما يمثل خروجا على اسس النظام النيابي الذي يقوم على اغلبية تحكم واقلية تعارض وتراقب وتحاسب تأسيسا لمبدأ التداول السلمي للسلطة.
النظام الديمقراطي : اغلبية تحكم ومعارضة تراقب / د. عدنان الميالي
(Visited 58 times, 1 visits today)