سارقو الثورة العربية الكبرى..هل يجهزون على العراق / حسين فوزي

سارقو الثورة العربية الكبرى..هل يجهزون على العراق / حسين فوزي

البعبع والمظلة الأميركية وقطع طريق الحرير

حسين فوزي

من يقرأ البيان المشترك الأردني السعودي الصادر عن اجتماعات الملك الأردني عبد الله الثاني وولي العهد السعودي الأمير محمد أبن سلمان يتلمس نقاطاً حيوية بالغة الأهمية فيما يخص أمن المنطقة والتنمية الاقتصادية ومواجهة التصحر والتغير المناخي بجانب قضية السعي إلى منع انتشار الأسلحة النووية، في تناول تطور القدرات النووية السلمية الإيرانية والقلق من إنتاجها قنبلة ذرية، دون التطرق مع الأسف- إلى السلاح النووي لـ”الشقيقة” إسرائيل.

وبقدر ما يتم الحديث عن حل الدولتين في فلسطين، وهو الحل الذي “توافقت” عليه القمة العربية بعد عودة مصر إليها التي عزلت بسبب اتفاقات كامب ديفيد التي ابرمها الرئيس الراحل انور السادات، فأن البيان لم يتطرق إلى التعنت الإسرائيلي في الالتزام بالحلول والمواثيق التي كانت حكومات اليسار والوسط الإسرائيلي قد قبلت بها وفقاً لاتفاقات أوسلو وما بني عليها على “أساس الأرض مقابل السلام”، التي راح ضحيتها رئيس الوزراء الإسرائيلي العمالي رابين، فحكومات أقصى اليمين الإسرائيلي تريد الأرض والسلام، منطلقة من توظيف تشرذم العرب، بعد ما لحق بالعراق من تمزق، وسوريا من حرب أهلية، ومصر من تشتيت لطاقاتها لحين تولي السيسي رئاسة الدولة ومحاولة جمع شتاتها وإدامة التنمية في ظل نمو سكاني يتخطى معدلات النمو ومصادر مياه النيل التي تهددها أثيوبيا.

العرش السعودي يمتلك من الموارد ما يستطيع الكثير، كما استطاع تحويل بوادي نجد والحجاز إلى واحات معطاء للتمر وحبوب بات يصدر للعراق موطن النخيل الأصلي، ومعالجة ندرة المياه، والارتقاء بنظام التعليم والدراسات العليا والبحوث، التي أنجبت عقولاً من بعض معالمها الاجتماعية جمال خاشقجي، الذي لم تتحمل السلطات السعودية معارضته المنظمة.

الشيء المهم هو أن سمو الأمير الشاب الطموح المتنور أقدم على جمع من الخطوات التي قربت المملكة السعودية شيئاً ما من روح العصر، حيث أصبحت للمرأة بعض الحقوق، ولم تعد الموسيقى والفنون “رجس من عمل الشيطان” كما ترى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي قلص من صلاحياتها في انتهاك حقوق الإنسان، وهي حالة تضفي على ولي العهد بعضاً من القبول لدى الرأي العام الغربي، بالأخص الأميركي، بما يتيح تعميق التعاون بين واشنطن والرياض، في إنتاج المزيد من النفط السعودي باستثمارات أميركية وغربية مقابل شراء المزيد من المنتجات الأميركية والغربية، بالأخص السلاح وائتمان العوائد النفطية في مصارف أميركية وغربية أخرى بدرجة اقل. وهو ما يعطي السعودية أبعادا اجتماعية تتخطى كل ما كانت عليه وواصلته لإسقاط حملة راية الثورة العربية التحديثية ووحدة العرب التي رفعها الشريف حسين ضد السلطة العثمانية، واصطف مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، التي عملت على إسقاطه ونفيه لإصراره على ما اتفق عليه معهم فيما يخص الدولة العربية الكبرى وعروبة فلسطين.

من الواضح أن سمو الأمير الواعد يرى في الأنموذج التركي ومن بعده بدرجة اقل المصري شكلين للسلطة التي يمكن له بناءها خلال حقبة السنوات الخمس القادمة، مع الحرص على أن تبقى السلطة كل السلطة في قبضة الجيل الشاب من الأسرة السعودية الحاكمة، بعد استبعاد الجيل الوسيط وتجريده من مصدر قوته من الأموال الطائلة التي اكتنزها بشكل مشروع أو بدونه.

السلطة السعودية القائمة تريد التحديث لإقامة أنموذج في مواجهة الأنموذج الإيراني، الذي يرى فيه مجلس التعاون الخليجي تهديداً لوجوده، التهديد الذي تغذيه الإدارة الأميركية وجعله البعبع لضمان تلاحم الجرف العربي للخليج معها القلق من البعبع الإيراني، فيلجأ للمزيد من شراء السلاح الغربي وإيداع بقية عوائد النفط لديهم، في إدارة الصراع لمنع توسع النفوذ الإيراني في اليمن، وتقليمه في لبنان وسورية والعراق، برغم أن هذا النفوذ لم يعد يعتمد طروحات تصدير الثورة، كما كان في الأيام الأولى للثورة الإيرانية وشعار “تحرير القدس يمر بكربلاء وبغداد” أو قلب السلطة في مصر بمساندة كل من يقف ضدها من التنظيمات الإسلامية.

ولم تكن محادثات الأمير في أنقرة والقاهرة بعيدة عن المضامين ذاتها، مع ملاحظة حقيقة أساس هي أن مصر وتركيا قوتان رئيستان في المنطقة، وعند حشدهما بما يمثلانه من طاقات بشرية وقدرات وموقعين استراتيجيين بالغي الأهمية، واشتراك الأردن معهما، يكون تقفيل “الدومينو” هو أشراك العراق، وهو الأمر الذي لم يتجاهله أي بيان صدر عن زعماء الدول الأربعة.

وهنا يبرز دور العراق، الذي يرعى حالياً محادثات ثنائية سعودية إيرانية على مستويات المتخصصين من الصف الثالث،  حيث يستطيع العراق المستقر أن يكون جسراً لمشتركات وليس مواجهات بين ما يجمعه الأمير السعودي وبين طهران الدولة العريقة بغض النظر عمن يمسك زمام السلطة فيها، التي لم يعتبرها “عرب الخليج”، ضمنهم السعودية، خصماً خطيراً علنياً عندما حكمها الشاه، كما لم يعد السعوديون يعدون الهاشميين خصماً مهدداً بعد ترويضهم بإسقاط الاتحاد الهاشمي والتخلص من الأمير عبد الإله الوريث الشرعي لعرش نجد والحجاز، بعد إقامة الجمهورية العراقية الأولى غير الخالدة بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم.

العراق يعاني أيضاً من كل ما يقلق الرياض والقاهرة وأنقرةمن مصاعب التنمية المستدامة والتصحر ومخاطر التسلح النووي في المنطقة والحاجة إلى التقنية عالية التطور، سواء الغربية عالية الكلفة أو الشرقية عبر طريق الحرير والبر الأوراسي لموسكو وخبراتها في مجالات أخرى.

إن عدم استقرار العراق كان وسيظل يعني غياب مرتكز مهم لأمن المنطقة، وما لم تصغ محصلة قوى ومصالح إقليمية ودولية تستوعبها صيغة إدارة وطنية عراقية تستلهم فشل كل تجارب الحكم العراقية السابقة، سيظل العراق الخلل الكبير في أية مخططات إقليمية تسعى لها السعودية تدعمها واشنطن وبقية الغرب من جهة، يقابلها السعي الإيراني لصيغ مقابلة تحفظ مصالحه الإقليمية وامتداداتهالتي يراها طبيعية شأن طبيعية ومشروعية المشاريع المقابلة…فعدم استقرار العراق بسبب فشل المحسوبين عليها يعمق عدم الاستقرار العراقي نتيجة تفجر السخط الشعبي، الذي يصب لمصلحة المناوئين لإيران إقليمياً ودولياً.

التحدي كبير ومتشعب، لكن منطلقاته ومرتكزاته واضحة لكل من يستقرأ الجغرافية السياسية للمنطقة وطبيعة تصارع مصالح القوى الكبرى، وواهم كل من يعطي الأسبقية لـ”البعبع النووي الإيراني” دون تشخيص الواقع التمددي الصهيوني وذراعه النووي، وطبيعة القوى الدولية الكامنة خلف المشروع الإسرائيلي أصلا الطامع إلى تدجين العرب والمنطقة لنفوذ صهيوني ينوب عن الغرب الذي كان مهد المطامع الصهيونية منذ الحروب الصليبية. وهذا كله لا يمكن أن يكون بمعزل عن باكستان، بالتالي الهند، وهذا يقود إلى فكرة حوض البحر المتوسط الذي لأوربا حضور جغرافي وتاريخي وثقافي، يقود إلى امتداد روسي بالمقابل مدعوم بطريق الحرير الصيني. وهي حالة ستكون بصمتها أكثر وضوحاً بعد حسم المعركة في أوكرانيا وتحييدها برغم كل الدعم الذي تقدمه واشنطن لكييف وتستقتل برلين بكل الوسائل لمنع انهيار مقاومتها للزخم الروسي.

هل القوى السياسية العراقية المحلية “المتعاطفة” مع إيران تعي طبيعة الإطار العام لصراع المصالح والنفوذ والثقافةومدى ضرر الفساد وعدم الكفاءة في إدارة العراق على النفوذ الإيراني في المنطقة؟ وهو الحال الذي ينطبق على خصومهم ممن لهم دور في تحريك عدم الاستقرار، بالأخص ضد حكومة السيد عادل عبد المهدي والولاية الثانية للسيد المالكي.

هل القوى السياسية العراقية جميعاً تعي طبيعة موازين القوى وسبل الاحتواء بتجنب المواجهة فادحة الثمن التي يتوهم بعض العراقيين، كما توهم النظام الشمولي القدرة، على خوضها والخروج منتصرا فيها، في عصر قال عنه مايلز كوبلاند في وقت مبكر ” لم يعد هناك من منتصر، فالمنتصر خسارته في فداحة ثمن نصره، والخاسر تحفزه خسارته للنهوض”؟؟؟

الأمير الشاب الطموح المتفتح يريد تحديث المملكة العربية السعودية مدعومة بحلفاء أقوياء لخلق توازن إقليمي بالنيابة حتى عن القوى الدولية لرسم الجغرافية السياسية للنفوذ في المنطقة أمام قوة الزخم الإيراني، والعكس بالعكس.. وهذا كله يحتاج عراقاً متماسكاً بدونه يصبح الخليج العربي وامتداداته “مزرعة مفتوحة”، فيما ترجمة أسم بغداد هي “البستان الجميل”، الذي ينبغي أن لا يجهز عليه، من طرفي الصراع، ومن بعده إشاعة المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة بالنيابة عن المتصارعين الكبار إقليمياً ودولياً، وهي حالة يمكن قبولها على المدى القصير، لكنها تضر العالم اجمع بكل أطرافه في حالة استمراره، تماماً مثل النزاع في أوكرانيا الذي بات العالم اجمع يتلمس ثقله لتجاهل الأمن الإقليمي الروسي، شانه شأن تجاهل ضمانات الأمن الإقليمي في منطقة الخليج ضمنها إيران وبقية الوطن العربي.  

وسيظل العراق القوي وحده صمام الأمان لمنع انزلاق المنطقة نحو عدم الاستقرار والتوتر بكل ما يعنيه من معاناة إقليمية متصاعدة وتضخم عالمي، وتحقيق محصلة تضمن توازن المصالح المشروعة لكل الأطراف.

(Visited 60 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *