الورقة المختومة ج 20 / د. احمد مشتت

الورقة المختومة ج 20 / د. احمد مشتت

د. احمد مشتت

الجزء ٢٠
عندما هدر الغضب في صوت رجل الامن مناديا اسمي بعد ان تجاهله نومي المفاجىء ، انتفض جسدي كأن صاعقة كهربائية اعدت خصيصا لشد انتباهي اليه.
⁃ نعم.
هدر صوتي ايضا ولكن باعتذار وخوف.
في تلك اللحظة كرهت اسمي. نعم لم اطق الحياة بعد مع هذا الاسم الذي ارقني وارهقني دوما. لا اريد هذا الاسم ولو خيرني رجل الامن
في تلك اللحظة ان اوقع ورقة براءة من هذا الاسم اللعين لفعلت دون تردد.
⁃ حضرتك نايم والدنيا مگلوبة
كان هذا اول ترحيب بي من صاحب الصوت الغاضب وانا اغادر الباص.
في مكتب الامن كان هناك منتسب اخر اعلى رتبة بدا هذا من طريقة جلوسه وطقس الاحترام الذي اداه رفيق رحلتي القصيرة من الباص بعد ان رفع يده القابضة على كتفي لاداء التحية.
كانت امامه مجموعة متناثرة من الجوازات. وفي يديه جوازي بلا شك. لانه وبعد دقائق بدت زمنا طويلا من وقوفي في حضرة صمته المشكك اطلق من حنجرته صوتا تدرب طويلا في استجواب من هذا النوع. دون ان ينظر لي في بادىء الامر. :
_انت احمد سلمان؟
سقط اسمي من بين شفتيه محاولا النجاة من الاختناق بدخان سجائره.
⁃ نعم.
اجبته
⁃ نعم سيدي .
صحح جملتي واكمل محاضرته القصيرة عن اهمية التعامل الصحيح مع ممثل السلطة.
⁃ ماكو احترام بعد! اردف ممتعضا من طريقتي السافرة في اجابتي القصيرة بنعم فقط.
كان لديه كل الوقت لتهذيبي ولم يكن لدي اي وقت لكل هذا. دارت برأسي عشرات الاحتمالات.
هل اكتشفوا ان وثيقتي المختومة ورقةً لخداعهم. هل فرط بي جلال او د. عادل طبيب التجنيد في آخر لحظة. هل لتاريخ عائلتي السابق وجود في ملفات الحدود؟
⁃ شنو شغلك ؟
عاد الي ضابط التحقيق بسؤال آخر جرني من هلوسة الاحتمالات الى ارض الغرفة الكئيبة.
⁃ اعمال حرة.
قلت ولو كان هناك جهاز لكشف الكذب في دائرة الحدود لأخترق صوت انذاره صمت الصحراء من حولنا.
⁃ يعني شنو بالضبط شغلك؟
⁃ خياط.
جاء ذلك على بالي بدون تحضيرات. كنت اعمل مع خالي الخياط في العطل الصيفية في محله بالدور الحكومية. كنت اقضي ايام الصيف بين المحل وبين معمل للخياطة يقوم بوضع اللمسات النهائية على عمل خالي.
⁃ هذي سترتك من خياطتك؟
لم ادري لحظتها ان لدى ضابط التحقيق هذا حس دعابة ام انه مازال يحاول ان يكشف حقيقتي بذكاء اسئلته.
⁃ لا سيدي هذه مو شغلنا. مشتريهه من محل بالمنصور.
دخل رجل امن اخر الى المكتب وفي يديه جواز واوراق لمسافر اخر.
⁃ اسمه بالحاسبة سيدي.
قال وهو يضع الجواز والاوراق على المكتب.
يبدو ان هذا المسافر كان اكثر اهمية مني ، اذ طلب مني الضابط ان انتظر في القاعة الى ان ينتهي من التدقيق.
⁃ تنتظر هنا گدام عيني. اصيح عليك من اكمل.
كان في توجيهاته لي صرامة حددت لي خطواتي القصيرة من المكتب الى كرسي متهالك جلس عليه الكثيرون قبلي باجساد ثقيلة لا خيار لها سوى المكوث بانتظار المجهول.
⁃ انت ممنوع من السفر واسمك بالحاسبة ومزور اوراقك كلهه.
كان هذا الحكم النهائي الذي اصدره ضابط الامن على الشخص الذي احتل بقعتي في غرفة التدقيق /التحقيق. كان صوت الضابط مسموعا حتى للمسافرين المنتظرين في الباص. كان الصوت يحاول جاهدا ان يوصل رسالة واضحة وصريحة بان من يحاول ان يخدع النظام لن يستطيع النجاة بفعلته .
⁃ اخذوه. اختفى المتهم الاخير من الغرفة بلمح البصر.
بعد لحظات معدودة نادى علي الضابط
⁃ انت
لم يقل احمد سلمان ، كم كنت ممتنا انه لم ينطق الاسم الذي كان عدوي اللدود في تلك اللحظة.
⁃ وين بيتكم بالضبط؟ اكمل استجوابه
رددت العنوان مثلما هو مسجل في صفحة الجواز.
⁃ اوصفلي بالضبط وين؟
كان يريد ان اصف له عنوان يبتي بالتفصيل، اية نقطة دالة مثلا، وفكرت انه ربما يعيش في منطقتي ويريد ان يعرف من اي بيت انا.
بعد ان صمدت امام موجة الاسئلة هذه، قرر ضابط التحقيق ان لافائدة من الاستمرار.
فتح الجواز وانزل ختم الموافقة على مغادرة الاراض العراقية، ختم الحرية الذي توقف قلبي مرات عديدة بانتظاره واسعفته واعادته الى الحياة ارادتي وحدها. ارادتي انا التي اشتبكت بالسلاح الابيض مع الايام الماضية وظل نزيفها يقطر على كل خطوة خطوتها من مستشفى الكاظمية الى بغداد الجديدة الى كراج العلاوي وحتى نقطة الحدود.
صوت نزول اداة الختم على صفحة الجواز كان اشبه بهلاهل عرس.
طااااخ
اهتز المكتب برمته من نزول الختم واهتزت حياتي ايضا.
كنت مثل مهاجم في فريق كرة قدم يسجل هدف الفوز في الوقت الضائع.
طااااخ
ظل الختم يصعد وينزل امام ناظري وبدا لي زلزالاً هشم اخيرا اسوار سجني الكبير.
صرح الضابط وهو يسلمني الجواز:
-اگص ايدي اذا انت اعمال حرة
قبل ان ينهي الجملة كنت قد اختفيت. عدت الى الباص. سلام والشاب الذي بجانبه استقبلاني استقبال المنتصر.
اكتملت اخيرا كل التدقيقات واجراءات تفتيش الحقائب.
وانا في مقعدي كنت انصت الى صوت اغلاق باب الباص، كان ذلك موسيقى اخرى كنت بانتظارها على احر من الجمر.
انتبهت الى ان مساعد السائق لم يصعد معنا.
انطلق الباص وعلى وجوه المسافرين علامات ارتياح. حتى الاشخاص الذين كان من حقهم السفر واوراقهم صحيحة ارعبتهم تلك الوقفة في طريبيل.
انا وسلام كنا في لحظة انتصار لن تتكرر فيما بعد
لحظة خاصة رفعت اجسادنا من مقاعد الباص وانبتت لنا اجنحة.
وصلنا الى مركز الكرامة عند مدخل الحدود الاردنية. كان الوضع مختلف تماما. فالمكان مضاء وشرطة الحدود استقبلونا بابتسامات لم نعهدها نحن العراقيون. كان هناك حفاوة وترحيب بنا لدرجة اننا كنا نتلفت ونتساءل
هل المقصودين نحن ام غيرنا ؟
تمت الاجراءات بسرعة. ورغم التعب من رحلة الباص الطويلة دب فينا نشاط غير عادي وتم تصفية ملك النوم دون تردد.
دخلنا الاردن وتغيرت موجة المذياع وصدحت فيروز مرحبة بنا
( انا والله كنت مفكرتك برات البلاد)
وعلى جبل قريب من الطريق لمحت لوحة اضيئت بالنيون مكتوب عليها :
الامان.
ضحكنا انا وسلام ونحن نقرا الكلمة ونعيد قراءتها . وقد اتضح لنا فيما بعد انها كانت دعاية لاطارات السيارات.
الامان هو ما احسسنا به فعلا ونحن في الباص نمر بالمدن الاردنية. لن يسالنا احد بعد الان عن وثائقنا المختومة ولن نتسمر في غرف تحقيق اخرى ندافع فيها عن انسانية مسحوقة تحاول النفاذ من ثقب للخوف في الارض اسمه العراق .٢٠
عندما هدر الغضب في صوت رجل الامن مناديا اسمي بعد ان تجاهله نومي المفاجىء ، انتفض جسدي كأن صاعقة كهربائية اعدت خصيصا لشد انتباهي اليه.
⁃ نعم.
هدر صوتي ايضا ولكن باعتذار وخوف.
في تلك اللحظة كرهت اسمي. نعم لم اطق الحياة بعد مع هذا الاسم الذي ارقني وارهقني دوما. لا اريد هذا الاسم ولو خيرني رجل الامن
في تلك اللحظة ان اوقع ورقة براءة من هذا الاسم اللعين لفعلت دون تردد.
⁃ حضرتك نايم والدنيا مگلوبة
كان هذا اول ترحيب بي من صاحب الصوت الغاضب وانا اغادر الباص.
في مكتب الامن كان هناك منتسب اخر اعلى رتبة بدا هذا من طريقة جلوسه وطقس الاحترام الذي اداه رفيق رحلتي القصيرة من الباص بعد ان رفع يده القابضة على كتفي لاداء التحية.
كانت امامه مجموعة متناثرة من الجوازات. وفي يديه جوازي بلا شك. لانه وبعد دقائق بدت زمنا طويلا من وقوفي في حضرة صمته المشكك اطلق من حنجرته صوتا تدرب طويلا في استجواب من هذا النوع. دون ان ينظر لي في بادىء الامر. :
_انت احمد سلمان؟
سقط اسمي من بين شفتيه محاولا النجاة من الاختناق بدخان سجائره.
⁃ نعم.
اجبته
⁃ نعم سيدي .
صحح جملتي واكمل محاضرته القصيرة عن اهمية التعامل الصحيح مع ممثل السلطة.
⁃ ماكو احترام بعد! اردف ممتعضا من طريقتي السافرة في اجابتي القصيرة بنعم فقط.
كان لديه كل الوقت لتهذيبي ولم يكن لدي اي وقت لكل هذا. دارت برأسي عشرات الاحتمالات.
هل اكتشفوا ان وثيقتي المختومة ورقةً لخداعهم. هل فرط بي جلال او د. عادل طبيب التجنيد في آخر لحظة. هل لتاريخ عائلتي السابق وجود في ملفات الحدود؟
⁃ شنو شغلك ؟
عاد الي ضابط التحقيق بسؤال آخر جرني من هلوسة الاحتمالات الى ارض الغرفة الكئيبة.
⁃ اعمال حرة.
قلت ولو كان هناك جهاز لكشف الكذب في دائرة الحدود لأخترق صوت انذاره صمت الصحراء من حولنا.
⁃ يعني شنو بالضبط شغلك؟
⁃ خياط.
جاء ذلك على بالي بدون تحضيرات. كنت اعمل مع خالي الخياط في العطل الصيفية في محله بالدور الحكومية. كنت اقضي ايام الصيف بين المحل وبين معمل للخياطة يقوم بوضع اللمسات النهائية على عمل خالي.
⁃ هذي سترتك من خياطتك؟
لم ادري لحظتها ان لدى ضابط التحقيق هذا حس دعابة ام انه مازال يحاول ان يكشف حقيقتي بذكاء اسئلته.
⁃ لا سيدي هذه مو شغلنا. مشتريهه من محل بالمنصور.
دخل رجل امن اخر الى المكتب وفي يديه جواز واوراق لمسافر اخر.
⁃ اسمه بالحاسبة سيدي.
قال وهو يضع الجواز والاوراق على المكتب.
يبدو ان هذا المسافر كان اكثر اهمية مني ، اذ طلب مني الضابط ان انتظر في القاعة الى ان ينتهي من التدقيق.
⁃ تنتظر هنا گدام عيني. اصيح عليك من اكمل.
كان في توجيهاته لي صرامة حددت لي خطواتي القصيرة من المكتب الى كرسي متهالك جلس عليه الكثيرون قبلي باجساد ثقيلة لا خيار لها سوى المكوث بانتظار المجهول.
⁃ انت ممنوع من السفر واسمك بالحاسبة ومزور اوراقك كلهه.
كان هذا الحكم النهائي الذي اصدره ضابط الامن على الشخص الذي احتل بقعتي في غرفة التدقيق /التحقيق. كان صوت الضابط مسموعا حتى للمسافرين المنتظرين في الباص. كان الصوت يحاول جاهدا ان يوصل رسالة واضحة وصريحة بان من يحاول ان يخدع النظام لن يستطيع النجاة بفعلته .
⁃ اخذوه. اختفى المتهم الاخير من الغرفة بلمح البصر.
بعد لحظات معدودة نادى علي الضابط
⁃ انت
لم يقل احمد سلمان ، كم كنت ممتنا انه لم ينطق الاسم الذي كان عدوي اللدود في تلك اللحظة.
⁃ وين بيتكم بالضبط؟ اكمل استجوابه
رددت العنوان مثلما هو مسجل في صفحة الجواز.
⁃ اوصفلي بالضبط وين؟
كان يريد ان اصف له عنوان يبتي بالتفصيل، اية نقطة دالة مثلا، وفكرت انه ربما يعيش في منطقتي ويريد ان يعرف من اي بيت انا.
بعد ان صمدت امام موجة الاسئلة هذه، قرر ضابط التحقيق ان لافائدة من الاستمرار.
فتح الجواز وانزل ختم الموافقة على مغادرة الاراض العراقية، ختم الحرية الذي توقف قلبي مرات عديدة بانتظاره واسعفته واعادته الى الحياة ارادتي وحدها. ارادتي انا التي اشتبكت بالسلاح الابيض مع الايام الماضية وظل نزيفها يقطر على كل خطوة خطوتها من مستشفى الكاظمية الى بغداد الجديدة الى كراج العلاوي وحتى نقطة الحدود.
صوت نزول اداة الختم على صفحة الجواز كان اشبه بهلاهل عرس.
طااااخ
اهتز المكتب برمته من نزول الختم واهتزت حياتي ايضا.
كنت مثل مهاجم في فريق كرة قدم يسجل هدف الفوز في الوقت الضائع.
طااااخ
ظل الختم يصعد وينزل امام ناظري وبدا لي زلزالاً هشم اخيرا اسوار سجني الكبير.
صرح الضابط وهو يسلمني الجواز:
-اگص ايدي اذا انت اعمال حرة
قبل ان ينهي الجملة كنت قد اختفيت. عدت الى الباص. سلام والشاب الذي بجانبه استقبلاني استقبال المنتصر.
اكتملت اخيرا كل التدقيقات واجراءات تفتيش الحقائب.
وانا في مقعدي كنت انصت الى صوت اغلاق باب الباص، كان ذلك موسيقى اخرى كنت بانتظارها على احر من الجمر.
انتبهت الى ان مساعد السائق لم يصعد معنا.
انطلق الباص وعلى وجوه المسافرين علامات ارتياح. حتى الاشخاص الذين كان من حقهم السفر واوراقهم صحيحة ارعبتهم تلك الوقفة في طريبيل.
انا وسلام كنا في لحظة انتصار لن تتكرر فيما بعد
لحظة خاصة رفعت اجسادنا من مقاعد الباص وانبتت لنا اجنحة.
وصلنا الى مركز الكرامة عند مدخل الحدود الاردنية. كان الوضع مختلف تماما. فالمكان مضاء وشرطة الحدود استقبلونا بابتسامات لم نعهدها نحن العراقيون. كان هناك حفاوة وترحيب بنا لدرجة اننا كنا نتلفت ونتساءل
هل المقصودين نحن ام غيرنا ؟
تمت الاجراءات بسرعة. ورغم التعب من رحلة الباص الطويلة دب فينا نشاط غير عادي وتم تصفية ملك النوم دون تردد.
دخلنا الاردن وتغيرت موجة المذياع وصدحت فيروز مرحبة بنا
( انا والله كنت مفكرتك برات البلاد)
وعلى جبل قريب من الطريق لمحت لوحة اضيئت بالنيون مكتوب عليها :
الامان.
ضحكنا انا وسلام ونحن نقرا الكلمة ونعيد قراءتها . وقد اتضح لنا فيما بعد انها كانت دعاية لاطارات السيارات.
الامان هو ما احسسنا به فعلا ونحن في الباص نمر بالمدن الاردنية. لن يسالنا احد بعد الان عن وثائقنا المختومة ولن نتسمر في غرف تحقيق اخرى ندافع فيها عن انسانية مسحوقة تحاول النفاذ من ثقب للخوف في الارض اسمه العراق .

(Visited 43 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *