سامي البدري – صحفي وكاتب عراقي
المتتبع للشأن العراقي، منذ عام 2003 إلى نهاية انتخاباته الأخيرة، يخلص إلى نتيجةمفادها أن لا شيء يراد له أن يتغير في هذا البلد، وخاصة في صيغته وخارطته ووجهتهالسياسية.
فرغم أن انتخابات العاشر من تشرين أول/ أكتوبر الحالي قد جاءت كنتيجة لعملية ضغطشعبي طالب بعملية تغيير سياسي شاملة، وهي التي ترتبت وجاءت كنتيجة حتميةلجملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن نتيجة هذه الانتخابات لمتأت بعملية التغيير المنشودة، والتي كانت أهم أهدافها المرجوة، عملية تغيير للطبقةالسياسية المسيطرة على مقاليد السلطة، وليس لتغيير مواقعها في خارطة السلطة منالخارج، أي تغيير مراكزها في مواقع صنع القرار وعدد مقاعدها في البرلمان وحصصهامن الوزارات.
نتيجة انتخابات العاشر من أكتوبر الحالي تؤشر إلى عدة أمور إشكالية في الحياةالسياسية العراقية، أولها وأهمها هو هيمنة الطبقة السياسية على السلطة وعدم رغبتهافي تركها مهما كان الحال. ثاني هذه الأمور هو إن عملية التصويت عبر صناديق الاقتراعهي مجرد اجراء شكلي لإتمام الصورة ولا أحد، من هذه الطبقة السياسية، يؤمن بهكعامل تغيير للخارطة السياسية. أما ثالث هذه الأمور أو المؤشرات وهو أهمها فهو أنالوضع السياسي والسلطوي يجب أن يبقى على ما هو عليه، وكما تريد وتخطط هذهالطبقة حتى لو ذهب العراق وشعبه إلى قعر الجحيم، لأنه بالفعل ومن الناحية العملية،ومنذ عقدين، هما في الجحيم بالفعل.
فما أن أعلنت مفوضية الانتخابات عن النتائج الأولية (وهو كما توحي تسميته، فإنهاجراء مبتدع لجس نبض أحزاب وكتل الطبقة السياسية المسيطرة، سواء من قبلالمفوضية ذاتها أو من قبل جهة ما) حتى بادرت أحزاب وكتل السلطة إلى رفض هذهالنتائج واتهام المفوضية بالتحيز والتزوير، وبالتالي، وبعد تثبيتها بشكل رسمي كنتائجنهائية، إلى رفضها وتخوين المفوضية والحكومة معاً، والمطالبة بإعادة الانتخابات ككل،وإلا لجأت هذه الطبقة وأحزابها إلى السلاح لتغييرها بالقوة.
لماذا أجريت الانتخابات ولماذا ضيعنا عليها ملايين الدولات إذاً؟
من أجل أن تقول الطبقة السياسية أنها استجابت لانتفاضة الشعب وحققت له ما طالببه، انتخابات مبكرة تلت عملية إزاحة الحكومة التي طالب بإزاحتها عن السلطة، أما أنتصل مطامع الشعب إلى إزاحة الطبقة السياسية المهيمنة على كامل البلاد ومقدراتهاوثرواتها وقرارها السياسي السيادي، فهذا هو (عشم ابليس في الجنة)، كما يقول المثلالدارج.
على ماذا ثار الشعب في تشرين/أكتوبر عام 2019 ، ودفع أكثر من ألف ضحية بريئةومئات المغيبين وما يقرب من ثلاثين ألف مصاب إذاً؟ أمن أجل إزاحة حكومة كارتونيةوإجراء انتخابات صورية، يجب ألا يطال تغييرها خارطة الأحزاب السياسية وسلطاتها،أم من أجل، وهذا ما كان أول مطالب الثائرين، إزاحة الطبقة السياسية التي تختطف البلدومقدراته وقراره السياسي وإلى الأبد؟
ما قيمة انتخابات حزبية (هي بالفعل انتخابات بين حصص الأحزاب من السلطة وليستانتخابات برلمانية) تبقي ذات الأحزاب والوجوه في مواقع السلطة، لتبقي بدورها ذاتالمشاكل والخلافات القديمة التي ثار الشعب من أجل التخلص منها ومن ارثها المدمر؟
انتخابات شبه صورية وفاقدة للشرعية، لأنها لم تحظ بنسبة مشاركة شعبية تمنحهاالشرعية، ولأنها فقط قللت نسبة حصص الطبقة السياسية في البرلمان، تقابل بالتخوينوالرفض والمطالبة بإعادتها، ترى كيف كان سيكون الوضع فيما لو لم تحصل أحزاب هذهالطبقة على أي حصة في البرلمان وما يتفرع عن عضويته من مناصب وسلطات وثروات؟ألم تكن ستقلب عالي أرض العراق سافلها وتحرق المعبد على رؤوس الشعب؟
السؤال الذي دوخ أركان وأحزاب الطبقة السياسية في هذه الانتخابات هو: كيف حصلأن تغيرت نتيجة انتخابات هذه المرة عن نتائج سابقاتها، التي كانت تبقي كل كتلةسياسية في مكانها، وكل حزب من أحزاب كل كتلة في مواقعه من مقاعد السلطة، معتغيير بعض الوجوه الثانوية؟
هنا الطبقة السياسية لا تلتفت إلى أمر أن انتخابات هذه المرة قد جاءت كنتيجة لثورةشعب، ظلمته هي وحرمته من أبسط حقوقه الإنسانية والمدنية وطوحت بكرامته وكرامةبلده، بل لم تفكر إلا في أنها كانت ضحية لمؤامرة من قبل الحكومة ومفوضية الانتخاباتوبدعم من أطراف خارجية، متناسية أن ما تسميه حكومة هي ممثلة في وزاراتها، وبنسبةحصص تفاوضوا هم عليها وأقروها بقبولهم الشخصي؛ وأيضاً متناسية أن ما يسمىبمفوضية الانتخابات ذاتها، في إدارتها وهيئتها العليا المتحكمة بقرارها، هي أيضاًممثلة فيها ووفق نظام المحاصصة الحزبية.
المهم هو، وفي هذه الانتخابات بالذات، وعلى خلاف كل توقعات المواطن العراقي، أن دوروأثر ومطالب الشعب غير داخلة وغير محسوبة في معادلة عملية التغيير السياسي ومايتبعها من عملية تقسيم مقاعد السلطة ومراكز النفوذ، وإن كل ما حسبت بموجبه، الطبقةالسياسية، نتائج صناديق الاقتراع هو أن نتائج الانتخابات كانت مدبرة وبفعل فاعل،بقصد إقصائها من مناصبها الحكومية والسلطوية وصناعة قرار الدولة، وبالتالي منأجل الإضرار بمصالحها وحرمانها من نصيبها من ثروات البلد، ولم تكن عملية التغييرالتي جاءت بها أصوات الناخبين، كنتيجة لقرار المواطن وباختياره الحر، بعد أن صبروعانى لعقدين كاملين من عمره وعمر بلده، من دون أن تبدي هذه الطبقة أي بادرة لتغييرسلوكها تجاهه وتجاه مصالح البلد.
لم تحسب الطبقة السياسية وأحزابها نتائج الانتخابات إلا وفق نظرية المؤامرة، مصطفىالكاظمي ومن يقف وراءه من أطراف خارجية مشبوهة زوروا نتائج الانتخابات بقصدإزاحتهم عن مواقع السلطة، وإلا فإن أصوات الناخبين كان معظمها لهم ومن أجل بقائهملأربع سنوات أخرى في السلطة. لماذا؟ لما قدمتموه من عزة وحرية ورفاه وخدماتللمواطن؟ إذاً لماذا ثار الشعب عليكم في أكتوبر/ تشرين من عام 2019 وأسقط حكومتكموطالب بهذه الانتخابات؟
أمن أجل إقامة انتخابات صورية لم يذهب إليها سوى أتباعكم المستفيدين مما تقتطعونلأنفسكم ولهم من ثروات البلد ومراكز سلطته؟
هل أخبركم بالنسبة الحقيقية لمن صوتوا في هذه الانتخابات؟ 11% فقط من مجموع 22 مليون ممن يحق لهم التصويت. هل وصلت الرسالة؟