النافذة المكسورة / عدوية الهلالي

النافذة المكسورة / عدوية الهلالي

 

*عدوية الهلالي / كاتبة عراقية

في عام 1969 ، اجرى عالم النفس والاجتماع فيليب زمبادرو تجربة لاختبار السلوك المجتمعي ، فقام بترك سيارة بزجاج مكسور وخالية من الارقام في الشارع ، وخلال ثلاثة ايام ، بدأ المارة بسرقة وتخريب السيارة بالكامل ، وخرج من التجربة بنظرية اسماها ( النافذة المكسورة ) والتي تدل على ان اهمال معالجة اي مشكلة في بيئة ما – بغض النظر عن حجمها – سيؤثر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكل سلبي مايؤدي الى مشاكل أكثر وأكبر والعكس صحيح ايضا ، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع سيؤدي الى بيئة افضل وسلوك أحسن ، كما ان عدم وجود رقابة وعقوبات يفاقم المشاكل ويؤدي الى تدهور المجتمع ..
عندما نشاهد يوميا في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي اخبارا مفجعة واخرى صادمة عن سلوكيات تصدر عن مواطنين عراقيين عاديين كالقتل والانتحاروالاختطاف وزنا المحارم والادمان على المخدرات او الاتجار بها ربما نتذكر نظرية (النافذة المكسورة ) ذلك ان اهمال معالجة متاعب الناس الصغيرة ربما يقود الى نتائج وخيمة ، كما ان فقدان الرقابة وغياب العقاب سيدفع المواطن العادي الى التمادي في سلوكياته السلبية كرد فعل على معاناته وحرمانه من أبسط حقوقه في الحياة وهكذا تصبح البيئة مناسبة لممارسة جميع الافعال الدخيلة على المجتمع مايؤدي بالتالي الى تدهوره ..
يقول نعوم تشومسكي “حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير”..ولأن الطبقة السياسية تحرص على تجنب تمرد المواطنين واسهامهم في تغيير مصير البلد فلابد اذن من الهائهم بمشاكل عديدة وتعمد عدم حلها حتى لو كانت حلولها جاهزة وبسيطة ، وهكذا يجد المواطن نفسه غائصا في مستنقع غياب الكهرباء ونقص فرص العمل والفقر وسوء التعليم وتدهور الواقع الصحي ، وعندما يعجز عن حل مشاكله ولايجد اسنادا من الدولة ربما يحاصره اليأس فيلجأ عندها الى ممارسة سلوكيات غريبة عليه كالانتحار او القتل والسرقة والاختطاف وماالى ذلك ..
نحتاج اذن الى ان تسعى الحكومات الى اصلاح (النافذة المكسورة) وحل مشاكل المواطنين لخلق بيئة أفضل ومساعدة المواطن على ممارسة سلوكيات أحسن ، لكن استخدام استراتيجية الالهاء هو أفضل وسيلة للسلطة لتمرير قرارات معينة قد لاتحظى بالقبول الشعبي ، كما ان اختلاق المواقف والمشاكل الكبيرة كالعنف او الازمات الاقتصادية التي تجعل الجمهور يطالب السلطة باتخاذ اجراءات وقوانين وسياسات أمنية هي أفضل وسيلة لخنق تمرد الشعب في مهده وجعله يغض الطرف عن حقوقه الاجتماعية وعن تردي الخدمات العامة ، وهنا يشعر المواطن بالعجز والتعاسة ، وهكذا وبدلا من أن يتمرد ضد النظام ، ينغمس في حالة من الاكتئاب والاحباط ويبدأ بالانتقام من نفسه والآخرين بممارسة سلوكيات خاطئة تسهم في انهيار المجتمع بقوة ..

(Visited 6 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *