الحديث عن حاتم حسين ذو شجون فعلاقتي به لم تكن
مقتصرة على الجانب الاكاديمي فقط بل كنت اعتبره صديق
مقرب رغم فارق السن بيننا ومكانته كونه استاذ مادة الاضاءة
السينمائية ، مدير التصوير السينمائي الراحل حاتم حسين فنان
من طراز خاص فهو لم يكن فقط يمأ المشهد السينمائي
بالالوان والظال والاضواء المعبرة عن الحدث الدرامي في
الفيلم وانما كان في حياته الاجتماعية ايضا يلون حياة كل
الناس المحيطين به ، عندما بدأت ادرس الماجستير في كلية
الجميلة ترافق معها بدايات عملي بتلفزيون العراق وكنت
حينها اترك توزيع الاضاءة في البرامج التي اخرجها الى الفنيين
العاملين في الاستوديو يضعون الاضاءة والالوان التي يرونها
لكن عندما تتلمذت على يد حاتم حسين تغير الموقف عندي
كليا فكنت اشرف على توزيع الاضاءة والالوان في البرنامج
بشكل فني دقيق رغم ان البرامج لا تحتاج الى تلاعب في
الاضاءة الا انني لم اجعلها مجرد اضاءة تنير المشهد أو المكان
وانما اجتهدت ان اجعلها تعبيرية كما تضمنتها رسالة الماجستير
التي كتبتها )تعبيرية الاضاءة في افام حاتم حسين( التعلم
على يد مدير تصوير مثل حاتم حسين جعلني انغمس مع
الاضاءة واجعلها جزء من مكونات التعبير عن دواخلي ورؤيتي
للمشهد جعلني اشعر بملمس الالوان واقترب من وهج الضوء
واتفاعل مع الظل.
بدأت الدرس الأول معه عندما جاء بشكل مخصوص لاعطائي
محاضرة في كلية الفنون الجميلة في السنة التحضيرية
الاولى للماجستير فوقعت عينه بالصدفة على تمثال لشخصية
المتنبي قال نحتاج ان ننقل هذا التمثال الى البلاتوه في دائرة
السينما والمسرح وهناك بدأنا عملية توزيع الضوء مصدر بعد
اخر ونسجل كل لقطة ومشهد بصور فوتوغرافية بالأبيض
والأسود ومن ثم نراجع الصور وندرس تأثير كل مصدر من
مصادر الضوء التي وزعناها بزوايا مختلفة على التوالي ونحلل
المشهد ونستخرج تعابير الحالة.
المرحلة التحضيرية تلك الهمتني ان اكتب رسالة الماجستير عن
الفنان مدير التصوير حاتم حسين تحديدا عن دور الاضاءة في
السينما ودراسة اسلوب لفنان يجيد توظيف مفردات الضوء
في السينما بشكل معبر فاخترته نموذج لدراسة حالة واسلوب
في البناء التكويني والدرامي للاضاءة وجاءت الرسالة بعنوان
)تعبيرية الاضاءة في افام مدير التصوير حاتم حسين(
التي اشرف عليها الدكتور طالب جميل وناقشتها بتاريخ
1994/12/12
تم تكليفه مرة من قبل كلية الفنون ان يلقي محاضرات
لطلبة الدراسات الاولية في قسم السينما كونه حاصل على
الماجستير من الاتحاد السوفيتي سابقا وقد تخرج على ايدي
اهم صناع واساتذة السينما في روسيا التي كانت مزدهرة في
ذلك الوقت وكان قد زامل هناك نخبة من الفنانين والاساتذة
العراقيين بينهم المخرج عبد الهادي الراوي والدكتور عباس
الشاه وكوركيس يوسف واخرين ، إلا انه توقف عن التدريس
فتوسلته ان يستمر فاعتذر قائا «انا احب ان أعمل لا احب ان
اتكلم ، السينما عمل وليس نظريات فقط » وهذه من خصاله
الحقيقية انه كان قليل الكلام.
في احد الايام ايضا كنت اشعر بالسعادة كونه تولى منصب
مدير السينما في دائرة السينما والمسرح في العراق الذي لم
يفتأ ان تخلى عن المنصب سريعا سألته لماذا؟ فأجابني )انا
اجيد العمل في موقع التصوير ولا اجيد العمل في المكتب(
كنت اراقبه واسجل علامات الزهو والفرح وهو يقرأ اسمه
على رسالة الماجستير التي اهديته نسخة منها وعندما قرأها
قال لي «استمتعت جدا واضافت لي الكثير لانك كتبت وصفا
وتحليا لمشاهد ولقطات سينمائية لم افكر في تعبيريتها كما
فعلت انت بينما انا الذي صنع تلك المشاهد » فقلت له )انت
تصنع الصورة وانا أفلسفها(.
لم يكن رحيل حاتم حسين )أبو طيف( عن عالمنا في عام
2014 بالاسود والأبيض بل كان ملونا بكل الوان الطيف
الشمسي لانه ترك فينا معرفة وعلما ملونا و إرثا زاخرا من
الأفام العراقية المهمة التي عمل فيها مديرا للتصوير ومن
ابرزها بيوت في ذلك الزقاق ، الظامئون ، حب في بغداد
، سحابة صيف ، الملك غازي وغيرها ، المشكلة الحقيقية
التي تؤلمنا جميعا هي ان يُغيب الموت هذه القامات
الابداعية الفنية في مجال السينما ولا نطبع كتبا أو نصنع
افلاما عنهم توثق سيرتهم وابداعاتهم وعطاءهم ، يجب ان
تلتفت وزارة الثقافة والجهات المختصة الى توثيق مسيرة
الاحياء والمتوفين من كبار الفنانين لأن ذلك التوثيق يصبح
مصدرا معلوماتيا وخبريا للدارسين والباحثين والمختصين
، نحتاج الى ترسيخ ثقافة توثيق سير الشخصيات الفنية
المهمة وحاتم حسين واحدا منهم وهو ليس بالفنان
العادي لكي يندثر ذكره فهو الاكاديمي والمهني هو
الفنان الذي لا يغيب عن ذاكرة الوسط السينمائي والفني
وهو الضوء التعبيري الذي لا ينطفئ.
حاتم حسين.. ضوء تعبيري لا ينطفئ
(Visited 18 times, 1 visits today)