عاوزين نحارب … عاوزين نحارب

عاوزين نحارب … عاوزين نحارب

شمال شرق:

*عارف العضيلة

أطلق المصريون قبل أكثر من نصف قرن من الزمان جملتهم الشهيرة (عاوزين نحارب) محققين إستثناءاً للقاعدة العامة.

فإذا ترك الخيار للشعوب وللشعوب فقط دون أي تدخلات أو تأثيرات فإن الشعوب لنتختار مطلقاً خيار الحرب لتسوية الخلافات السياسية .. فالشعوب دائماً تفضل الحلولالسياسية والدبلوماسية وتدعوا إلى تحيكم منطق العقل. وتدعوا أيضاً إلى تفعيل مبدأالتفاوض لحل أي خلافات أو نزاعات.

السبب بإختصار كون الشعب هي من سيدفع ثمن الحروب والمعارك .. فسيقتل العسكريونوالمدنيون ويتأتم الأطفال وتترمل الزوجات .. ويبكي بحرقة الأباء والأمات لمصير أبنائهمالقتلى أو الجرحى .. وسيشل ويعجز ويصاب عدداً من أبناء هذه الشعوب بسبب الحرب..

ويلات الحروب لن تتوقف بل ستطول .. يقول فقهاء السياسية: (إن المنتصر بالحربخسران) فويلات الحرب تشمل المنتصر والمهزوم. تصل ويلات الحرب إلى تعطيل التنميةوتأخيرها .. وإلى أضرار كبيرة في البنى التحتية للدول .. وتصاب الإقتصادياتبالأمراض.

وتتأثر المنظومة الصحية والإجتماعية والثقافية.

بإختصار تصل ويلات الحروب إلى كل شيء .. وتأكل الأخضر واليابس.

ومن يدفع ثمن كل هذا هي الشعوب والشعوب فقط.

ترفع عليها الضرائب والرسوم .. وتتكبل كل تداعيات وسلبيات الحروب بدون أدنى درجاتالإستثناء.

أما الساسة ففي معادلات الربح والخسارة داخل رياضيات الحروب فهم أقل المتضررينإذا كانوا يراعون الله تعالى في شعوبهم ويخشون الله تعالى. أما إذا كانوا غير ذلك فهمالمستفيدون جداً من هذه الحروب .. هم في حصون أمنة للغاية من أخطار الصواريخوالبنادق والقنابل .. وأسرهم في معهم .. ويعيشون في أمان ورغد.

ولا يشعرون مطلقاً في تأثير المنظومة الصحية ولا يعرفون نقص الوقود وإنقطاعات التيارالكهربائي وندرة الأغذية والمؤن .. فهذه الأمور ليست من أولوياتهم .. بل لا تجد مكاناً فيجداول أعمالهم.

فحين ترتفع درجات الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار ومحاسبة الساسة. فستكون مكاسب الساسة في الحروب وفق الأطر النظامية. فهم يشعلون الحروبويستعجلوها لإرضاء تجار الأسلحة للحصول على الهدايا والمميزات .. إضافة إلى كسبهؤلاء التجار في تمويل حملاتهم الإنتخابية ..

أما إذا أنخفضت درجات الديمقراطية والمشاركة الشعبية ومحاسبة الساسة فستكون فوائدالساسة مشعلي الحروب أكبر وأكثر .. من خلال العبث والتزوير في موازنات المصروفاتالعسكرية والمشتريات الحربية .. وتضخيم كافة المصاريف .. يقول الإقتصاديون (إن أسهلالطرق التي يتخذها الساسة لسرقة أموال شعوبهم هي إشعال الحروب)

إذا فمن المستحيل جداً إن تختار الشعوب الحرب. وليس هناك صعوبة كبرى أن يقبلالساسة بالحرب كخيار ..

لكن المصريين والمصريين وحدهم هم من كانوا الإستثناء الوحيد من هذا المبدأ ..

فالمصريين بعد نكسة 1967م وقبل حرب 1973م كانوا يطالبون القيادة السياسية بضرورةالحرب .. قد لا يصدق الكثيرون وخاصة مواليد ما بعد 1970م .. هذا .. ويصعب عليهمتصور أن هناك شعب أختار طريق الحرب .. بل وأجبر قيادته السياسية على خوض غمارالحرب .. ورضخ الساسة رغم ترددهم على خيار الحرب .. التي جعلها المصريين خيارهمالأول ومطلبهم الوحيد ..

فالشواهد على هذه كثيرة وموجودة ويسهل الحصول عليها .. فحين نستعرض الأرثالثقافي المصري في حقبة ما بعد 1967م وما قبل 1973م (ست سنوات تقريباً) نجد مايؤكد ما ذكرناه ..

ففي رسوم الكاركتير مثلاً يتجسد ذلك وأيضاً في مقالات الكتاب والنخب المصرية ما يؤكدذلك ..

حتى في المسلسلات والأفلام المصرية (التي بفضل المصريون وبعض العرب أن تسمىبالعربية) وما يعكس ذلك بوضوح شديد تحول مطلب رجل الشارع المصري البسيط منلقمة العيش إلى الحرب.

فنظمت المسيرات والمظاهرات في القاهرة وفي بعض المدن الرئيسية وغير الرئيسية التيتنادي بضرورة الحرب .. وكان الشعار والمطلب الذي لا صوت يعلوه هي جملة (عاوزيننحارب).

بعد نكسة 1967م وهي أكبر هزيمة للعرب منذ أن خلق الله تعالى أبو العرب سيدناإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ..

شعر المصريون بالإهانة والذل .. لم يتقبلوا الهزيمة ورفضوا الصمت على هذه الهزيمة .. معتبرين أن كرامتهم قد مرغت بالتراب والأهم أن رئيسهم جمال عبدالناصر قد أعترفبخطاب مهم للأمة بالهزيمة وأعلن أنه يتحمل كافة مسؤوليتها وهذا حدث لم يتكرر عربياًإلى اليوم.

فكل الحكام العرب المهزومين بأي معركة يحولونها إلى نصر إعلامي وهمي. لا يوجد إلا فيمؤسساتهم الإعلامية فقط ..

يعرف المصريون إمكانية جيشهم ويرون أن ما أصابه من هزيمة سريعة وقاسية هو عبثأصاب المؤسسة العسكرية الأقوى عربياً إلى اليوم.

فلا يمكن للجيش المصري أن ينهزم هزيمة نكراء في ساعات معدودة وللحقيقة وللتاريخفالجيش المصري في حرب 1967م لم يسمح له بشكل فعلي من الإشتراك في الحربوخوض غمارها وفق البروتوكولات والأعراف العسكرية .. بل تعرض لعملية ذكية مباغتهكان هدفها الأول شل الجيش المصري عن المواجهة ..

وتذكر التقارير ومذكرات كبار القادة السياسيين والعسكريين أن محمد أنور السادات رئيسجمهورية مصر العربية والقائد الأعلى لكافة قواتها المسلحة .. كان يجنح إلى السلم .. ولميكن يرغب دخول الحرب مطلقاً .. لكنه أضطر وسط موجات المطالبات الشعبية إلىالرضوخ لخيار الحرب .. وذكر أكثر من مرة لدائرته الأولى من رجال الساسة: (إنه مجبرعلى الحرب .. وإن تأخرنا في الحرب فستقوم ثورة شعبية ضده وضد أركان حكمه .. وستؤدي إلى خلعه من الحكم .. فالشعب لن يطول إنتظاره للحرب أكثر) .. تحدث الساداتبهذا بموجب من تقارير يومية وشديدة السرية تصله من الجهات الأمنية العليا ..

ذات المضمون كان يصل للإسرائليين من أجهزتهم الأمنية ويزيد عليها أن الرئيس المصريوأركان حكمه مضطرون للحرب وليس لديهم حل أخر غير الحرب تحقيقاً للمطالب الشعبيةوحالة الإجماع الشعبي المصري.

أيقن الصهاينة أن حربهم مع مصر أتيه لا محالة لكنهم جهلوا موعد البداية. لا سيما وأنالقوات المصرية كانت تتمركز أكثر من مرة في خطوط المواجهة الأماية وتتخذ حالاتالتأهب القتالية الشديدة لكنها ترجع بعد أيام أوأسابيع إلى ثكناتها.

وأكتشف الإسرائليون متأخرين أن هذا من خدع وتكتيكات المصريين بهدف إخفاء ساعةالصفر وتحقيق عنصر المفاجأة في الحرب.

صنع المصريون خلال حقبة 1967م – 1973م حالة غريبة جداً ونادرة الحدوث لأنهمرفضوا تقبل الهزيمة ورفضوا الذل والهوان .. فقرروا إستعادة كرامتهم التي سلبت وقررواالإنتقام والثأر لوطنهم ولأمتهم.

تحقق للمصريين ما طالبوا به وخاضوا الحرب التي أستعدوا لها جيداً خاضوها بكلكفاءة وإقتدار ونجاح ..

بقى القول أن مصر وهي أول العرب الكبار قد حملت مسؤولياتها تجاه أشقائها العرب بكلأمانة وإقتدار وإيثار ..

فجميع الحروب التي خاضتها مصر منذ إستقلالها عام 1922م لم تكن من أجل مصر بلمن أجل العرب ..

وساهمت مصر في توحيد العرب والحفاظ على تماسكهم وتعزيز مبادئ العمل العربيالمشترك.

ساهمت مصر في تحرير جميع الدول العربية من الإستعمار .. وساهمت بنهضة جميعالأقطار العربية دون إستثناء ..

فأرسلت جيوش من خيرة أبنائها المسلحين بالعلوم والمعارف والخبرات إلى جميع دولالعرب لتنميتها وصناعة بداية حضارتها في مجالات التعليم والصحة والثقافة والفنونوالآداب والرياضة .. ووقفت معهم وساندتهم حتى تحقق للعرب نهضات تنموية مهمة ..

بل وظلت مصر هي بيت العرب الكبير إليها يتجهون في حالات السلم ويزداد تعلقهمبمصر في حالات المحن والكوارث والقلاقل والحرب.

وحتى ومصر وهي تمر في أسوء ظروفها كانت إلى جوار العرب كل العرب تفتح يديهاوقلبها لهم .. وحين تعصف بالعرب العواصف حتماً ستكون مصر في مقدمة المساندينوالمدافعين والمحاربين من أجل العرب.

حين هبت رياح الربيع العربي وويلاته في المنطقة فتحت مصر أبوابها لإستضافة العربفتحت مدارسها وجامعتها وأسواقها ومستشفياتها وكل مرافقها لهؤلاء العرب المهجريينمن أوطانهم .. ووفرت لهم الخدمات الأساسية. ويسرت لهم سبل العمل والإستثمار والعيشالكريم.

وبعد فهنيئاً للعرب بمصرهم.

(Visited 98 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *