حكومة تصريف الاعمال في العراق / د. احمد الميالي

حكومة تصريف الاعمال في العراق / د. احمد الميالي

د. احمد عدنان الميالي
بعد دخول العراق مرحلة الانسداد السياسي وتجاوز التوقيتات الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، تصاعدت حدة الخلافات السياسية والقانونية حول تكييف وضع الحكومة الحالية فيما لو كانت قادرة على اداء مهامها كما كانت قبل الانتخابات المبكرة ام انها تحولت الى حكومة مؤقتة مقيدة ومعنية بتصريف الاعمال اليومية، خاصة ان حكومة الكاظمي ذهبت باتجاه تشريع قانون الامن الغذائي واستمرت بعملية الاعفاء والتكليف للمناصب العليا في الدولة ، مع بروز تحديات امنية وسياسية دفعت رئيس الجمهورية وبعض اعضاء مجلس النواب المناوئين لها الاستفسار في المحكمة الاتحادية عن حدود الصلاحيات الممنوحة لها، واصدرت الاخيرة قرارها ١٢١ اتحادية٢٠٢٢، التي حددت صلاحيات هذه الحكومة القيام بواجباتها كافة تجاه الشعب ولايدخل ضمنها القرارات التي تنطوي على اهداف ودوافع سياسية ذات تاثير كبير على مستقبل العراق ولايدخل ضمنها اقتراح مشاريع القوانين والاقتراض والاعفاء والتعيين واعادة هيكلية الوزارات، مع تاكيد ضرورة اضطلاعها بمهام توفير المتطلبات الاساسية بضمنها الامن والغذاء والدواء والكهرباء والزامها بذلك وتوضيح بدائل التمويل المالي عند تاخر اقرار الموازنة العامة وفقا لقانون الادارة المالية الاتحادية رقم ٦ لسنة ٢٠١٩ المادة ١٣، المعدل الذي يجيز لها الصرف بنسية ١ / ١٢ ، وتخضع المصروفات الفعلية لمصادقة البرلمان. وهذا القرار للاتحادية وان كان مانع لتشريع قانون الامن الغذائي واسقاط اي اعذار لعدم قيام الحكومة بواجباتها الاساسية وفقا لما ذكر من محددات ، لكن هذه القرار فيه جوانب اخرى وهو تعريف المحكمة لحكومة تصريف الاعمال وفقا للدستور بانها تلك الحكومة التي تقدم استقالتها او تسحب منها الثقة ، وهذان الوصفان لاينطبقان على حكومة الكاظمي ، وبالتالي يجوز لها
تشريع القوانين المشروطة خاصة ذات الطابع الملح والتي تتعلق بالنظام العام وأمن البلاد
واتخاذ قرارات وتدابير ضرورية، فلا يوجد نص دستوري واضح وصريح ينص على قدم قدرتها على اقتراح تشريع القوانين الملحة او التعيين والاقالة خاصة مع وجود مصلحة عامة كما في حالات الفساد والتقصير والاهمال وسوء الادارة لاصحاب المناصب العليا في للدولة، وهذه الاباحة المحدودة نابعة كما هو معروف في النظم السياسية النيابية من ان سبب وجود حكومة تصريف الاعمال هو انتفاء المسؤولية الوزارية وغياب الرقابة بسبب انتهاء عمر البرلمان لحين اعلان النتائج وتشكيل حكومة جديدة تنال ثقة البرلمان المنتخب، وطالما ان البرلمان في العراق موجود وشرعي منتخب فان تحقق المسؤولية الوزارية والرقابة المشروعة حاصلة، وبالتالي لا معنى لتضييق نطاق اعمال الحكومة الحالية بالدرجة التي تتجه اليها الامور الان ولايمكن وصفها بانها حكومة تصريف اعمال يومية.
اذ في العادة تبدأ فترة تصريف الأعمال وقت حل مجلس النواب ، واجراء الانتخابات لمجلس جديد في انتخابات عامة. او حينما تقدم الحكومة استقالتها او تسحب منها الثقة وتستمر فترة تصريف الأعمال حتى تتضح نتيجة الانتخابات أو ، في حالة تغيير الحكومة ، حتى يتم تعيين الحكومة الجديدة.
وخلال فترة تصريف الأعمال ، يستمر عمل الحكومة وتزاول الأمور العادية للإدارة خاصة التي تحتاج معالجة مباشرة وحاسمة. وتستطيع هذه الحكومة اجراء التعاقدات والالتزامات الدولية واقتراح مشروعات القوانين، شرط ان لاتلزم هذه الافعال والقرارات والقوانين الحكومة القادمة وتحد من حريتها في التصرف او يقع على عاتقها اعباء وتكاليف والتزامات مالية، او شروط جزائية وتجنب استخدام موارد حكومة تصريف الاعمال اليومية بطريقة تخدم اجندات حزبية وسياسية معينة وخاصة في مجال الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة.
اما مسألة التعيين والتكليف والاقالة للمواقع العليا فيجب على الحكومة عدم إجراء التعيينات المهمة او الاقالة خلال فترة تصريف الأعمال، وعند الاضطرار يجب ضمان ما إذا كان التعيين والاقالة لن يكون مثيرًا للجدل. وكذا الحال بالنسبة للمفاوضات الدولية والسياسة الخارجية من حيث الانضمام للمعاهدات والتعاقدات الدولية فيجب ان تكون الحكومة المنتهية الولاية في افضل الاحوال بصفة مراقب او ممهد للحكومة القادمة.
عموما في الحالة العراقية ووفقا للدستور العراقي فان حكومة الكاظمي حاليا بامكانها اللجوء الى تشريع قانون الامن الغذائي وما إلى ذلك وفقا لسياقات غير ملزمة او مؤثرة على الحكومة القادمة ومنها قانون الامن الغذائي، او على الاقل استثمار قانون الادارة المالية في تمويل الاستحقاقات الملحة ذات الصلة بالامن القومي العراقي ، لكن المحكمة الاتحادية بقرارها اعلاه قوضت ذلك واعطت مسارات ضيقة جدا في تسيير الحكومة لاعمالها اليومية رغم خصوعها لمبدأ المسؤولية الوزارية، ومع استطالة امد الانسداد السياسي سيكون الشعب ضحية الوقوع بين مطرقة التحديات التي تحتاج حكومة جديدة قد يطال تشكيلها حاليا وبين حكومة تصريف اعمال لاتستطيع توفير متطلباته الاساسية والسبب في ذلك التقاطعات السياسية والمخاوف من الفساد.

(Visited 188 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *