الجزء الرابع
د. احمد مشتت
وانا في سيارة الاجرة الى بغداد الجديدة عاد بعض الهدوء الى روحي بعد الاشتباكبالسلاح الابيض مع كتيبة دائرة الجوازات. لم استطع عدَ
نِصال الخوف التي اخترقتني هناك. وبعد ان قادني ملف المعاملة في رحلتي الصباحية،استلمت دمائي زمام المبادرة. دمائي النازفة التى لم استطع ايقافها والسيطرة عليها ، هيمن فتحت باب سيارة الاجرة واوجزت السائق بوجهتي.
صوت اغلاق باب السيارة انتشلني من كابوس الصباح.
و بدات استرد طاقتي الايجابية و افكر في الاستعدادات للسفر. احسست انني قريب جدامن تحقيق الحلم. اولا تذكرت انني لا اعرف ماحل بسلام الذي انقطعت اخباره تماما فياليوم السابق بعد ان كنا نلتقي يوميا. هناك الاف الاشياء التي يجب ان احسمها قبلالسفر وعاد ذهني الى شغله المعتاد وهو ترتيب اولويات المهام الضرورية التي يجب انانفذها في الايام المقبلة قبل السفر. اهم هذه الاولويات هو موضوع النقود. بعد ان دفعتلطبيب التجنيد د. عادل وجلال جندي الجوازات ضريبة الحرية الباهظة لم يتبقي معي ايشئ. كان سائق سيارة الاجرة محظوظا ان لدي مايكفي لتغطية رحلة التفكير والتدبيرالعسيرة من دائرة الجوازات الى بغداد الجديدة. ليس لدي اجرة السفر الى عمان والاقامةهناك ووووو.
و بدأ مسؤول المالية في عقلي المشتت اجراءات استثنائية لتدبير المبلغ. صديقي طبيبالتخدير في مستشفى الكاظمية عرض علي المساعدة وهو يعرف انني ساغادر رغم اننيلم افضي له بخططي
( مجرد احساس.)
قال لي في اخر لقاء ونحن في الغرفة نتداول شؤون حياتنا المزرية وعرض علي ان يشتريمجموعة اربطة العنق التي جمعتها عبر السنين كان شديد الاعجاب بها.
( هسه انت شراح تسوي بالاربطة هناك.)
وافقت طبعا وساحسم هذا الامر حين اذهب الى المستشفى للمرة الاخيرة لتصفية اغراضيفي الغرفة وإلقاء تحية وداع اخيرة على المستشفى.
المصدر الاخر هو ان تتولى اختي بيع خاتم ذهبي اشترته امي لي في اول يوم تعيين ليكطبيب.
بيع اربطة العنق والخاتم سيغطيان اجرة الباص الى عمان ومبيت لليلتين في الفندقهناك.
تم التصديق على مهمة جمع مبلغ السفر.
وفتحت نافذة السيارة. كان هواء بغداد في شهر تشرين الثاني لامثيل له. كان لدي شعورمفاجئ بالسعادة. ولأقل انه شعور نادر. مجرد خروجي من دائرة الرعب تلك منحنيالطيش المناسب كي اتهور واشعر بالسعادة. في العراق عام ١٩٩٤ السعادة كانت كلمةغامضة وغير صالحة للاستعمال البشري.
قال السائق
( خلصت الجواز ؟ )
اربكني سؤاله المفاجئ.
في تلك الايام كان رجال المخابرات يتجولون في سيارات التكسي بشكل عادي.
( جواز الوالدة )
صرحت رغم انه لم يحدد في سؤاله لي جواز من ؟ ولكنني قررت ان اقول هذا كي لا يبدأسلسلة تحقيق في وجهة سفري ودواعي السفر .
وتظاهرت بعدها بالنوم لعدم تشجيعه على الحوار غير المرغوب به.
حين وصلت بغداد الجديدة مضيت الى محل خياطة وازياء يعود الى خالي. كنت اذهبالى هناك بشكل يومي واردت ان اخبر خالي الخياط بموضوع سفري.
تفاجأت وانا ادخل المحل برؤيتي لاخي الذي كان احيانا يعمل بعد اوقات الجامعة هناكوعلى وجهه ملامح قلق بائنة. كان يحاول طمأنة د. سلام.
نعم رايت د. سلام متسمرا في وسط محل خالي بوجه غادرته ملامح الحياة وجسد تضائلتحت وطأة مصيبة. سلام واخي محمود كانا اصدقاء قريبين من بعض منذ ايام الاعدادية .
كانت كلمات وجمل سلام تسقط على الارض وتهزها تحتي. تهز الفضاء الذي ضاق فجأةمن حولنا وتحول الى خطوط ضائعة تتشابك مع بعضها مهمتها الوحيدة تصفية الامل.
بين اسئلتي وبين اجابات متقطعة من قبل سلام حاولت ان اربطها مع بعض كي تدخلحيز التفسير الصغير جدا المتبقي من ذهني الذي اوصد ابوابه امام احتمالات التفكير .
ذهني او ماتبقى منه سقط ايضا قرب حذائي
استسلم للتصفية وبات شريكا لليأس.
( اخوي اخذوه المخابرات احمد..)
سلام الممتقع الوجه اعلن امام فريق اليائسين
الذين انضوا تحت روحي المكدرة بعد ان تشظى احمد سلمان من جديد بفعل اعلان سلامعن الكارثة.
بعد ساعة كاملة سافهم ماحدث في اليوم الذي لم ار سلام فيه وساحاول رغم قنوط اللحظةالتي صارت دهراً ان اعقد قمة استثنائية مع نفسي الملتاعة للخروج من هذا المطب الذيجاء كصفعة مباغتة سأفيق منها عليلاً…
يتبع