د. احمد عدنان الميالي
اصبح سياق تعطيل المواد الدستورية المتعلقة بانتخاب السلطات السياسية في الدولة طريقة مبتكرة لتعليق الدستور، اذ ينشغل نواب البلد بالنقاش والنقد والتبجح بكشف ملفات الفساد واتهام الاخرين كوسيلة للتغطية على العجز في اداء العمل المناط بهم والتجاوز على الدستور من قبلهم حينما يعطلون جلساته ويكسرون نصابها ، ويتظاهرون بأنهم مهتمون ومشغولون ومن اجتماع إلى اجتماع، لكن شاغلهم واحد، وهو كيف يعيدون مع طاقم المافيا السياسية بأسلوب التواطؤ والمساومة تحاصص المقاعد والمناصب ، ويبقى أمراً واحداً غائباً عن جداول أعمالهم، وهو حماية السيادة الوطنية واحترام الدستور نفسه. في هذا السياق الحل الأيسر لديهم هو تعليق الدستور وتعطيل مواده ثم الاحتجاج على الاخرين بحنث اليمين الدستورية
فاذا كان الدستور غايتهم فلماذا يصرون
على تشكيل حكومة توافقية بين المكونات في حين ان الدستور اشار الى ان تشكيل الحكومة يتألف من النصف +١ من اعضاء مجلس النواب دون ان يحدد من اي مكون او فئة .
وهذا يفسر الخطر الذي يحيط بالدستور نفسه، من تفضيل سلوك بعض القوى السياسيه لصالح التوافقية وليس للدستور الذي لم يشر الى هذه المفردة خاصة في سياقات تشكيل الحكومة والرئاسات الاخرى بل اشارة الى التوازن بين المكونات في مؤسسات الدولة وهنالك فرق بين التوافق السياسي والتوازن الوطني.
ومن مخاطر تعليق الدستور : ان الاولوية لبعض القوى السياسية ليس للقوانين الدستورية بل للقوانين الاعتيادية ومن يحرص على بناء دولة عليه انجاز القوانين الدستورية التأسيسية وهي اكثر من (٦٠) قانون أشار لها الدستور بعبارة ( وينظم ذلك بقانون)، تم التغاضي عن معظمها ، وتم تجاوز حتى سقفها الزمني.
ومن الاخطار التي يواجهها الدستور هو انتهاكه علانية مرارا والتجاوز عليه تكرارا ، دونما محاسبة والسبب هو التوافقية والشراكة والمحاصصة فحينما يشترك الكل في السلطة والحكومة لايصبح هنالك مجالا للمحاسبة بل كل طرف يمسك بمخالفات الطرف الاخر وهكذا يضرب الدستور عرض الحائط .
وبالتالي دورة بعد دورة ينجح ممثلو الشعب بالتمثيل عليه وليس تمثيله. في محاولة منهم لاستغباءه من خلال طرق عديدة منها :
أنبراء بعض المسؤولين والنواب لالقاء خطب عن النزاهة والشفافية والحرص على المال العام، وهم يعرفون ويعرفون أن الشعب يعرف ايضا، أنهم كانوا حفاة وحصلوا على ثراوتهم بقوة السلطة لا بالكفاءة ولا بالعصامية، والويل لمن يتجرأ ويتهمهم بالسرقة والإثراء غير المشروع.
الاستغباء هو أن يقدم نائباً محافظته افقر المحافظات يضربها الجفاف وتسود فيها حالة اللادولة والمليشيات والسلاح والاعراف العشائرية بديلا عن القانون، بياناً واتهامات وشكاوى يحذر فيها من الخطر على الديمقراطية والحنث باليمين الدستورية وتعطيل الدستور لطرف واحد ويترك باقي الاطراف ،فيما لا يرى خطرا عليه إذا ما امتنع هو ومن يقف وراءه، عشرات المرات عن حضور الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، لا لسبب الا لمحاولة فرض مرشح لرئاسة الجمهورية كانوا يتهمهونه سابقا بالخيانة العظمى وانتهاك الدستور لانه لم يكلف مرشحهم للحكومة ابان الاحتجاجات فمالذي تغير الان؟؟.
الاستغباء هو أن يأمر طرف سياسي نوابه بعدم حضور جلسات البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية ثم يحمّل امريكا وتركيا والسعودية والامارات مسؤولية تعطيل الدستور وانتهاكه.
ان محاولة استغباء هؤلاء للشعب لم تعد كالسابق بل اصبح استغبائهم غبياً فمن يستغبي الشعب العراقي هو وحده الغبي، لان الشعب يعرف أن هؤلاء انتقلوا مباشرة من مدرسة الميليشيات والشارع إلى السلطة، مباشرة من غير إعادة تأهيل، ثم يلقون عليه محاضرات عن الدستور والدولة والقانون والمؤسسات، ويحاولون إقناع الشعب بأنهم منّة الله عليه وصفوته المختارة، وأنهم هم حماة الديار والوطن من الانهيار ولولاهم لما تحررت أرض ولا أزهرت أشجار !! فهل يصدقون أنفسهم حقاً !!؟
تعليق الدستور واستغباء الشعب .. د. احمد الميالي
(Visited 112 times, 1 visits today)