السهل المُمتَنِع / حسين الصدر

السيد حسين الصدر
-1-
أعذبُ الأشعار على الاطلاق ما دخل القلوب بلا استئذان .
ولن يدخل القلوب بلا استئذان الاّ اذا اتصف بالجمال الساحر، والصياغة الفنيّة الجميلة ،واشتمل على المعاني الباهرة …
وهذا ما يطلق عليه ( السهل الممتنع )، يظنه القارئ أو السامع سهلاً لخلوه من غريب الالفاظ ، ومُبّهم الكلمات، ومع ذلك كله فلن يتاح الاّ للشعراء الكبار أصحاب المهارات الفائقة والثقافة الأدبية الاستثنائية .
-2-
ومن الأمثلة على السهل الممتنع قول أحد الشعراء حين عاد أحد أحبته المرضى :
مَرِضَ الحبيبُ فعدْتُهُ
فمرضتُ من حَذَري عليهِ
وأتى اليّ يَعُودنِي
فبرئتُ مِنْ نظري اليهِ
انّ مجرد رؤية الحبيب يمكن ان تكون البلسم الشافي والدواء الكافي .
وهنا تكمن الروعة .
-3 –
ومن المستحسن أنْ نُورد بعض الشواهد الاخرى :
قال الشاعر :
وما أبقتْ لنا الأيام عُذْراً
وبالأيامِ يتعِظُ اللبيبُ
نعم أنّ التجارب هي أبلغ المواعظ .
ومن هنا قالوا :
( المجرّب لا يجرب )
-4-
وقال آخر :
وانما اولادُنا بَيْنَنا
أكبادُنا تمشي على الارضِ
انْ هبْت الرِيحُ على بعضهم
لم تشبع العينُ مِنَ الغمْضِ
الأولاد هم الاكباد وكفى .
وما أحلى قول الشيخ على الشرقي في هذا الباب :
نحنُ مِنْ سادةٍ تظنُهُم
حَوْلَ أَوْلادِهِمْ مِنَ الخَدَمِ
انّ قلبي ارجوحةٌ ونُصبَتَ
بَيْنَ مفطومةٍ ومُنْفَطِمِ
-5-
وقال آخر :
ما يبلغُ الأعداء مِنْ جاهلٍ
ما يبلغُ الجاهلُ من نَفْسِهِ
ويضر الجاهل بنفسه على نحو قد لا يستطيع اعداؤه ايقاعه به …
واي عيب يُضارع الجهل ؟
-6-
وقال آخر :
ما وَهَب اللهُ لا مْرِئٍ هِبةً
أفضلَ مِنْ عَقْلِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ
هما حياة الفتى فانْه فُقدا
فانّ فَقْدَ الحياةِ أحسنُ بِهْ
نعم أنّ العقل والأدب هما العنصران المهمان اللذان لا مندوحة للمرء عنهما في الحياة .
-7-
ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بَبينِي
وبَيْنَ ركوبها الاّ الحياءُ
فالحياء هو العاصم من الارتطام بالقبائح والفضائح
انّ الحياء من الله يمنع العصيان،
والحياء من الناس يمنع العدوان .
-8-
ومن هنا قال الشاعر الآخر :
فلا وأبيكَ ما في العيشِ خيْرٌ
ولا الدنيا اذا ذَهَبَ الحياءُ
ذهاب الحياء يعني ذهاب الأخلاق ، ولا قيمة لأُمة اذا باعت أخلاقها .
-9-
والسهل الممتنع لا يقف عند محطة واحدة من المحطات الحياتية، ويسير مع الأحداث حتى يصل الى ( القُروض ) ويُنكر على مَنْ يسد الدَيْن ويقضيه بِدَيْن آخر :
اذا ما قضيتُ الدَيْن بالدَين لم يكنْ
قضاءً ولكنْ كان غُرْماً على غُرْمِ
-10-
ويصف ( حبيب ) كرام الرجال فيقول :
انّ الكرام اذا ما أسهلوا ذَكَروا
من كان يألَفُهم في المنزلِ الخَشنِ
واذا ذَكَرَ فعلَ ( الكرام ) مع مَنْ كانوا يرتبطون معه برباط الإلفة والمودة في زمن العسر، فان صورة ما يفعله ( اللئام ) اذا أيسروا بعد العسر تبرز واضحة جليّة على العكس تماما من الصورة الأولى .
وهكذا يمتاز الاصيل من الدخيل والكريم من اللئيم .

حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com

(Visited 8 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *