كتب : علي حبل المتين
سمعت من أحد معارفي ذات يوم عندما كان يدرس في حوزة النجف الأشرف أنه له زميل في الدراسة وكان معه في السكن، لكن هذا الزميل كان كسولًا وكانت الدروس تبدأ بعد صلاة الصبح فكان يقضي أغلب دروسه نائمًا وباقي الطلاب يباحثونه فيها حتى سئموا منه ومن تصرفاته وكسله، وكان والده يظنه من الأساطين فبين الحين والآخر كان يتصل بنا خلسة دون معرفة ابنه ليطلع على وضعه وكنا نتملص عن الإجابة، وذات يوم اتصل بابنه وسأله بابني أن كل من في مستواك العلمي ألفوا كتب وقدموا واعتلوا منابر ولديهم نشاطات اجتماعية إلا أنت لماذا؟
يقول وما كان من الابن إلا أن ذهب لسوق الحويش ويشتري بعض الكتب القديمة وقام باستلال بعض المواضيع وغير ولعب فيها وصار لديه كتاب، وعندما جاء والده لم يصدق وملئتهُ غبطة الفرح أن ابنه صار كاتبًا، وبعد أيام سالت هذا الزميل إذا كان والدك ميسور الحال ولا يبخل عليك بشيء لماذا أنت كسول ومستواك الدراسي متردي والحال أغلب الطلبة فقراء لا يملكون شيء بل يستدينون من بعضهم من أجل النزول لأهلهم أو شراء مستلزماتهم؟
يقول اجابني انه مرغم تلبية لرغبة والده وعائلته ولو كان
الامر بيدي من حيني هذا تركت الحوزة ولا حاجة الي بها…
يقول وبعدها حصل معي ظرف على أثره رجعت إلى مدينتي وعند عودتي سالت عن هذا الزميل أجابوني أنه انتقل للدراسة في مكان آخر فقلت من الواجب على زيارته والاطمئنان على حاله، وبعد وصولي مدينته دخلت أحد الجوامع القريبة منه وكان وقت صلاة فصليت وبعد الصلاة رأيت سيدًا جليلًا عند المحراب والناس من حوله يسألونه ويستفتونه وهو يجيب بما لم ينزل الله به من سلطان فتعجبت من هذا وعندما تقربت أكثر رأيت ذلك الزميل الكسول وهو يرتدي عمامة السادة (العمامة السوداء هي التي يعتمرها بني هاشم والبيضاء هي التي يعتمدها باقي الناس وجرى هذا العرف في عهد السيد المرتضى) ويتشح بوشاحهم وأنا أفرك بعيني هل هذا حلم أم علم…
يقول سلمت عليه فعرفني وضمني إليه وذهبنا إلى المنزل فسلمت على والده وقلت له يا عم كيف لابنك إن يرتد عمامة السادة وهو ليس بسيد هذا ادعاء وتجاوز على رسول الله؟ أجابني أن ابني محقق وقد حقق في نسبنا وتبين أننا من نسل محمد. يا عم هل أنت مقتنع بما تقول؟ نعم ولم لا ابني عالم. يا عم أنت من أجبر ابنك على دخول الحوزة وهو كان كسولًا وليس أهلًا لشيء اسأل باقي التلاميذ هل تكذب على نفسك وتصدق كذبتك؟ أنت حاقد على ابني لأنه مجتهد أعلى منك مرتبة وافهم واعلم منك. اعلم يا عم أن من أفتى بغير علم فليتبوأ مقدم من النار وأنت وابنك ذكرتم شيء وغابت عنكم أشياء…
هذا الشخص غيض من فيض فالكثير هم تجار العمائم وبين الحين والآخر يظهر لنا أحدهم وهو ليس أهلًا لشيء ليتصدى ويحدث فينا الفتن والمصائب، منهم من يتخذهما مصدر رزق واستجداء ومنهم لمكانتها ومنهم للأجرة، في العهد السابق إبان حكم الديكتاتور كان يحسب للمعمم ألف حساب وفوق رأسه أربعة من الأمن والاستخبارات وإذا تنفس فلا يلومن إلا حاله وقد قدمت الحوزة والأسر العلمية الفلذات من أكبادها نتيجة تمسكهم بالخط العلمي الصحيح القويم…
العمامة ليست ميموري كارت أو طاقة غيبية بل هي خرقة من قماش وتعتبر شهادة للفرد الذي يحملها أنه ذو علمٍ وهذا العلم ليس كما يهوى ويشتهي بل له مراجع وأصول، منهم من يكون ذا حنكة ويلف حوله الأتباع لمعرفته روحانيتها عند العامة ومدى تأثيرها وكمية احترامها، والأصل هي لباس العرب والرسول وأهل بيته وتدرجت مع مرور الزمن لتحمل هذا الثقل المركزي.