خاطرة: حياكة “وطن” ونسيج سردياتها / د. لقمان فيلي

خاطرة: حياكة “وطن” ونسيج سردياتها / د. لقمان فيلي

 السفير العراقي  / د. لقمان  عبد الرحيم فيلي

لنتصور اننا، ابناء وادي الرافدين، اتفقنا جميعا على حياكة سجادة يدوية ولنسمهاوطن، وهنا ياتي السؤال عن ما هي النقشات والرسومات والاشكال الهندسية التينريدها  ان تزين وجه  هذه السجادة؟ لنقل باننا اتفقنا على رسومات ونقشات جميلةتعكس غنى تاريخ وادي الرافدين وحضاراتها وتطلعاتها.  السؤال الثاني ما مدى قوةتحمل هذه السجادة من حيث المواد والخامات لاثر الزمن وتغير المناخ  عليها؟ لنقل بانهامرنة ولها متانة وستتحمل متغيرات واعباء الزيادات الديموغرافية والمناخية وتعقيداتالعولمة. وهنا ياتي السؤال الثالث عن قوة وقدرة  هذه السجادة على المحافظة على جمالهاومتانتها في حال استعمالها  وفرشها للارضيات والاستهلاك العملي،  لا ان تبقى معلقةتزين  الجدارن فقط؟ لنقل بانها عملية وممكن جدا ان تستهلك وتجدد حيويتها وادامتهاومقاومتها للمناخ الحار والبارد والجاف. اذن نحن امام ثلاثة تحديات اساسية علاوة علىالمهارات والخبرات العالية المطلوبة للحفاظ على متانة وجودة السجادة وللاطمئنان علىجماليتها ومرونتها وقوتها  العملية.

وعليه تبدو حياكةوطنبهذه الخصال الثلاثة لا يمكن ان تاتي من فراغ وبالتمني بلتحتاج الى حياكة سرديات جميلة ذات متانة وعمق وان تكون ذات قابلية لاحتواء  متغيرات الجغرافيا والتاريخ والاجتماع. ولكي نضمن مهارة وقدرات الحائك العاليةللسجادةالوطنمن الضروري ان نتذكر مقولة اقتبسها  هنا من رواية خيالية مشهورةلجورج اورويل واسمهاألف وتسعمائة وأربعة وثمانين” (التي كتبت أيضًا باسم 1984) والتي تقولمن يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يتحكم في الحاضريسيطر على الماضي“.

يا ترى كم هي درجة سيطرة الحائك على حاضره لكي يستطع ان ينتج سجادةوطنجديرة بجمالية وادي الرافدين وعمقها الحضاري وتطلعها المستقبلي؟ ينبغي ان لا ننسىان السيطرة على الحاضر، كمقدمة للسيطرة على المستقبل، تحتاج الى مقومات عديدةمنها قيادة ذات معرفة معمقة بتاريخ بلدها ومقدرة على رسم مستقبلها، وفنون ومهاراتوعلوم الادارة التي تمكنها من التحكم والسيطرة  على هذاالوطنولا تتركه نهبا  للفرصوالحظوظ أو مكائد الاشرار.

كذلك ينبغي ان تتصف هذه القيادة بقلب قوي ومتانة قرار وارادة تفرض نفسها وسطمتغيرات الزمان والجغرافيا، ارادة لا تردد فيها ولا مساومة على متانة وجودة عملية حياكةوطنبما فيها السرديات الايجابية البناءة المطلوبة في عملية البناء.

ماذا عن ماهية السرديات السابقة للوطنوالموقف منه؟ فمنها السلبي المغروس في عمقتاريخ وادي الرافدين وتحتاج الى مراجعة وتحديث قيمي او هوياتي او معتقداتي وليستحديث ممارساتي او سلوكي فقط، ومنها  المشوش الذي لا تعرف اين مكامن الحقيقة فيهمن الخيال وتحتاج الى ايضاح، وبعضها الايجابي الذي تستطيع ان تحييه من جديدوتكون للحائك عوناً في حياكته لجمالية السجادة المنشودة.

دعونا نحن ابناء وادي الرافدين صناعالوطننراجع هذه السرديات بمختلف الوانهاوماهياتها ونصححها ان تطلب الامر لاننا ان تنازلنا عن هذا الشرط فسنرى سجادةوطنجديدة مشوهة تعكس كل مخاوفنا ومحاذيرنا. فحياكةوطنلا ياتي من فراغوعدم، بل من خلال تكاتف ابنائه وتعاضدهم على خلق سرديات جديدة تضيف للسجادةجمالية ورونقاً وجودة.

لنخلق لانفسنا سرديات ايجابية جديدة عديدة، حول (مثل عليا) نتفق عليها، حول هويةوطن معالمها واضحة نتمسك بها ،حول قيم انسانية ووطنية بناءة تترسخ فينا؛ حولاهداف واقعية ممكن ان نصل لها بعد عقد او اقل من الزمن؛ حول طبيعة دور معقول ومؤثرفي اقليمنا المضطرب؛ حول تحديد شركاء استراتيجيين للعراق من البلدان والمنظماتالدولية لا نختلف حولها كثيرا؛ حول برامج ومشاريع وطنية كلنا نستفيد منها وتربطمصالح محافظاتنا مع بعض؛ حول كيفة خلق سياسات عامة تعتمد على التعايشوالتشاور والتوافق؛ واخيراً حول منهج جديد ننتهجه معاً قائم على معادلة ربحربح فيتعاملاتنا مع بعضنا البعض.

شأنا ام ابينا سنرى خلق سرديات جديدة نتيجة ديناميكية منطقتنا وبلدنا وتعقيداتهاوتداعيات تركتها الثقيلة، ولكن هل لنا نحن ابناء الرافدين دور في رسمها وهندستهاوماهيتها الايجابية ام سنتركها للاجانب ومن لهم اجندات قد لا تخدم وطننا الذي نعيشونتعايش فيه؟. حياكة السجادة الفاخرة حاجة و فن نحتاج ان نتعلمه ونجيده، مع بعضالصبر، لكي نخلق ونحيك لانفسنا سرديات وطن جديدة تخدم اجيالنا القادمة وشبابناالواعد.

لقمان عبد الرحيم الفيليبرلين

(Visited 11 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *