الورقة المختومة  الجزء ١١ احمد مشتت

الورقة المختومة الجزء ١١ احمد مشتت

د. احمد مشتت

بعد اختفاء ظهر منعم من الوجود وادراكي انني غير مراقب اسرعت الى الطابق الاول فيمستشفى الكاظمية ومضيت الى غرفة المقيمين التي كان لي فيها بعض الاغراضالشخصية.

استوقفني محمد رئيس الممرضين في ردهة الجراحة البولية وعلى ملامح وجهه قلقواضح.

( دكتور احمد ) قال بصوت فيه خوف عراقي مميز.

( محمد شلونك اني هنا حتى…….)

لم يدعني اكمل الجملة اليتيمة.

( لاتبقى هنا دكتور احمد )

قبل ان اسال عن سبب قلق محمد من وجودي تخيلت ان منعم قد عاد للاجهاز على ماتبقىلي من ارادة.

نطقت السؤال بغصة

( ليش )

( الانضباط العسكري جايبين وجبة جنود هاربين من الخدمة حتى تبتر اذانهم. ومديرالمستشفى و رئيس المقيمين يريدون الاطباء الموجودين حتى يقومون بعملية البتر, اجوقبل شوية وياهم ضابط كبير من الانضباط العسكري بيده قائمة وسالوا عنك متوترينبشكل ومدير المستشفى عصبي جدا. وقال  كل الاطباء لازم يشتركون باداء هذا الواجبالوطني.

وتركوا هذه النسخة من القرار حتى نعلگها في غرفة المقيمين )

وسلمني محمد الورقة التي برزت منها سكاكين قطاع الطرقالمشرعين في جمهوريةالزمن الجميل.

وبدات اقرا:

رقم القرار ١١٥ الصادر عن مجلس قيادة الثورة

استناداً الى احكام المادة الثانية والاربعين من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة مايلي:

يعاقب بقطع صيوان الاذن كل من ارتكب جريمة

1. التخلف عن الخدمة العسكرية

2. الهروب من الخدمة العسكرية

3. توشم جبهة كل من قُطِعَ صيوان اذنه بخط افقي مستقيم لايقل عن ٣ سم ولايزيدعن ٥ سم . تلك كانت اول مرة اقرأ فيها هذا البيان الذي صدر في شهر سبتمبر من عام١٩٩٤. ولكن ماكان يحصل الان في الطابق الاول بدا رمزاً واضحاً لاصرار السلطة علىتطبيق مرسوم التنكيل الذي كانت فخورة به.

محمد كان ضد فكرة ان احاول الخروج من الباب الرئيسي للمستشفى لان مفرزة الانضباطالعسكري على الاغلب قد اغلقت البوابة الرئيسية بمجرد وصولهم مع الجنود الذينسيتعرضون للعقوبة التي ابتكرها اعلى مجلس في البلاد.

لم انتبه لهذه الحركة المفاجئة في المستشفى بسبب انشغالي بتحقيق منعم في وسط الممرالرئيسي. لو كنت قد انتبهت الى ان شيئا ما يحدث لكنت تسللت وتركت المستشفى. لكنيقظتي كانت في غيبوبة وادركت انني منذ حصولي على الجواز تردى حسي الامنيكثيرا. في ممرات دائرة الجوازات كانت عندي عشرة عيون ومجسات رصد ومركز اعدادخطط طوارئ مهيأ وعلى استعداد لا نظير له.

خطر في بالي حل واحد لاغير ، ان أختبىء عن جوقة منفذي قرار مجلس قيادة الثورة الىان ينتهوا  من عزف سيمفونية الترويع هذه.

محمد ذهب به الخيال لان يستكشف امكانية قفزي من نوافذ الطابق الاول الى الحديقةالخلفية ولكنه ادرك انني ساكسر ساقي لا محالة.

( التواليت )

قال لي

( ادخل تواليت المرضى وابقى هناك ولاتطلع الى ان اني ادك الباب عليك)

ذهبت فعلا بدون تردد الى تواليت المرضى ومكثت في الجزء الاخير. اغلقت الباب وقرفصت.

بعد ساعة كاملة سمعت ضجة المنفذين مرة اخرى اذ عادوا بحماس للبحث عن اطباءليقوموا بعمليات البتر.

تذكرت وانا مقرفصاً في سجن التواليت هذا ايام السجن الذي تعرضت له مع اطباء اخرينفي مدرسة الطبابة العسكرية في شهر تشرين الثاني عام ١٩٨٧ بعد ان رفضنا البقاء فيالمدرسة اثناء الخفارة. كل يوم خميس كانت مجموعتنا وتتالف من عشرين طبيب  فيقائمة الخفارات التي تعني اننا لا نغادر المدرسة بعد الانتهاء من التدريبات العسكريةوننام في قاعة بائسة. الهدف هو ان نوفر اسناد فيما اذا برزت حاجة في جبهة الحربالتي لاتنتهي الى كادر طبي. بعد ان طبقنا الخفارات في الاسابيع التي سبقت ذلكالخميس لم يحدث اي شىء. كانت قاعة النوم باردة والاغطية المتيسرة لم تشهد اي محاولةلتنظيفها منذ دخلت الخدمة.

في يوم الخميس الذي عاد الي الان وانا في تواليت الطابق الاول من مستشفى الكاظميةفي لحظة دفاع اخيرة عن آدميتي وشرفي كطبيب وقسم ايبوقراط الذي كان ينص على انالطبيب يجب ان لايسبب اي اذى لمرضاه وان يحفظ كرامتهم، في ذلك الخميس قررنا اننضرب عرض الحائط الالتزام بالخفارة. وقررنا النزول الى المدينة بعد التعداد المسائي.

كانت تلك الحركة بالنسبة لنا انتصار لروح المدنية على العسكرتارية البغيضة التيسيطرت على حياتنا بالكامل.

في فجر اليوم التالي ونحن نبدأ التدريب اليومي نودي على اسمائنا واكتشفنا انمؤامرتنا الصغيرة اكتشفت ولن تمر بسلام.

اخذونا الى مكتب العقيد الركن آمر المدرسة وقبل ان ندخل امرنا الضابط الذي رافق رحلتناالقصيرة الموجعة من ساحة التدريب الى مركز القيادة ان نخلع البيرية العسكرية والنطاقورفع كتافيات القميص دلالة على اننا مذنبين ونستحق طقس الاهانة المقبل.

في غرفة الآمر الذي كان طبيبا ايضا ماكان يحق لنا الكلام. سلسلة الشتائم التي استقبلنابها العقيد الركن تكفي لتاليف رواية من عشرة اجزاء.

حرك صوته الهادر ريحا محبوسة في الغرفة بدات تلطمنا على وجوهنا. كانت اخر كلمةتكرم بها علينا

( طايحين الحظ ).

واعادنا الى رفقة الضابط الذي ختم اوراقا وسجلات  و اقتاد فريق المذنبين الى سجنمدرسة الطبابة الذي سنقضي فيه اسبوعا كاملا نصغي الى هدير الصواريخ التي بداتتضرب بغداد في عام الحسم من تاريخ الحرب الطويلة.

يتبع.

(Visited 13 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *