كتب رياض الفرطوسي
سنكتشف يوما وربما بعد فوات الاوان اننا مجتمع محقون بالرتابة والرخاوة والكسل حتى ان البعض وصل الى مرحلة فقدان شهية الحياة . الغالبية العظمى من الناس لم يعد لديهم القدرة على التفكير والامل بسبب كثرة الذهول والدوامات. الانسان اصبح رهينة الوضع السياسي وهو وضع رث وشائك يخضع للمساومات والتدخلات ‘ ولم يعد التمييز ممكنا وسهلا بين ما هو حقيقي وغير حقيقي بين ما هو طارىء ومرتجل وبين ما هو راسخ واصيل . هناك من يشتم النظام السياسي في حين هو في سلوكه اسوء من النظام السياسي. لماذا اصبحنا مركز لمن هب ودب من منظمات وعصابات ومخدرات وغسل اموال وسرقة نفط وتدخلات من دول مختلفة بحجة المساعدة وتقديم الخدمات. لماذا اصبحت اجواءنا ملوثة سواء كانت السياسية او الصحية او الثقافية او الاجتماعية . اعداد كبيرة من الناس تعاني امراضا مختلفة ومستعصية وفتاكة ومميتة . اكثر ما نشربه ونأكله ونتنفسه ملوث وربما نحتاج لعشرات السنوات من اجل تنقية الهواء والتربة. نحن في حقيقة الامر نتعرض الى ابادة منظمة بسبب كل هذا الكم الهائل من الاخطار . لا يوجد عراقي لا يعاني من مشكلة ما سواء كانت صحية او نفسية او وظيفية او حزبية او اخلاقية او فكرية ولم يعد الانسان يعيش في الواقع بل كل واحد مقيم في قناعة معينة وفكرة محددة وقافل عليها ويعتقد ان الحياة والكون تمر من خلال قناعاته فقط. وعندما تسأل عن احوال الناس الجميع يلعنون الساعة التي ولدوا فيها. قلق وحدّة مزاج وتوتر وخوف واختلال في طريقة التفكير وعدم توازن وضياع وتهميش واذلال وذهانات عقلية بحيث لو هبت عاصفة رملية سيقول لك الناس هذا بسبب كثرة اخطائنا. ذهنية الاثم حاضرة وذهنية الوصم مستمرة وذهنية الارشفة ( ارشفة الاخطاء ثابتة ) وعندما تسأل عن سبب كل ذلك وما يحصل لنا تأتيك الاجابة هذا كله من مشيئة السماء. حيث يتم ربط ظواهر لا علاقة بينها. هذا الاغتراب الداخلي وحالة انفصال الانسان عن ذاته جعلته عبارة عن انقاض متحركة يوميا يعيش حالة القلق الاحباط واليأس من دون ان يكون هناك شروط حياة حقيقية ماذا تتوقع ان تكون النتيجة ؟ لا تتوقع ابدا ان تصادف شخصا هادئا او متوازنا او يحترم القانون او يتصف بالحكمة والرصانة لأنه لم يتبقى لديه ما يدافع فيه عن ذاته وقناعاته ووجوده بعد ان تم استلابه من ذاته ومن قناعاته ومن كل شي يريده ان يتحقق ولا يحصل. من حيث انك لا تملك
شيئا على الارض لا حرية فعلية ‘ لا حقيقة ناصعة ‘ لا ثروة ‘ لا استقلالية ‘ مع مشاعر سلبية متناقضة. نحن سجناء الاوهام والاحلام ‘سجناء القناعات الصلبة والعناد ‘ سجناء الماضي والحاضر.نشتم الساسة ونلعنهم ونمارس نفس ادوارهم .حتى في كتاباتنا نكتب بلغة عامة وليست بلغة فردية لأنه ليس من حقك ان تكون كما تريد بل كما يريد الشارع والمجتمع لذلك الجميع حريص على ان يتحاشى وهو شكل من اشكال التدجين المبرمج وامامك يافطة تاريخية محشوة بالترهيب والترويض ( لسانك حصانك ان صنته صانك ) ويا ويلك وسواد ليلك لو فكرت بعقلية مستقلة . لا تستطيع ان تتحدث عن مشاعرك عن همومك الخاصة عن التياعاتك عن هواجسك . لكن بنفس الوقت يستطيع اللصوص والقتلة والقفاصة والصكاكة ان يتحدثوا بحرية كاملة ويا للعجب.في ظل هذه التناقضات يخضع كل شي الى التفسيرات الرغبوية والتأويلات سواء كان الدين او الطائفة او الانتماء او الهوية والحياة بالنسبة لمثل هؤلاء عبارة عن حفلة تنكرية بأقنعة يتقافزون فيها ويسرحون ويشطحون من دون لا رقيب ولا حسيب.
لماذا أصبحت عقولنا مشلولة التفكير !؟ .. رياض الفرطوسي
(Visited 26 times, 1 visits today)