بعيداً عن الاتهامات المتبادلة بين المفجوعين والشامتين والمتلصصين،
تبقى الحقيقة مفقودة في اروقة الساسة ، وكل ما نسمعه مجرد تكهنات او
ربما رجم بالغيب. فالى جانب البحث في هوية منفذ العملية او البيان الذي
صدر عن تنظيم داعش الارهابي الذي تبنى العملية ، لابد لنا من الوقوف
على حيثيات هذا الحدث الجلل واحاطته ومحاولة وانارة الدهاليز المظلمة
المؤدية الى اسبابه ودوافعه وتبعاته.
فما حصل ليس مجرد عملية ارهابية تقليدية وقعت في منطقة ما وانتهى
الأمر ، بل هو تحد وجودي لوطن ولشعبٍ يعاني منذ سنين والجميع
يشخص الخلل ويؤشر عليه ، رغم من شرَّق وغرَّب في التحليل مرة بإلقاء
اللوم والتقصير على المنظومة الأمنية و المخابراتية وهشاشتهما، ومرة على
الخلافات السياسية ، وثالثة على البعد الطائفي ورابعه على دول الجوار على
اختلافاتها. وذلك ليس بعيدا عما حصل بنسبة او باخرى بالتاكيد، لكن
السبب الأهم هو انسداد السبل لاي حوار وطني لاسيما في المناطق التي
مازالت تشهد مشاكل أمنية وتهديدات في مناطق عدة من العراق..
قد يكشف لنا الهدوء الذي عاشه العراقيون بعد تحرير الموصل عام
2017 عن سؤال في غاية الأهمية : هل إن توقف العمليات الارهابية خلال
الفترة الماضية كان بسبب تطوّر أداء أجهزتنا الأمنية والمخابراتية ام نتيجة
التوافقات السياسية بين الفرقاء؟
القاعدة الأمنية تقول ابحث عن المستفيد تصل الى الجاني. والجاني بالتأكيد
ليسوا أؤلئك الذين فجروا اجسادهم وسط الفقراء فالانتحاريون هم فاقد
الحياة الاول بعد أن ضللهم أمراؤهم بالمقدّس الزائف والنصوص المكذوبة
وأوهموهم بالحور العين أو الجنة الموعودة لكن المستفيد الاخطر هو من
يحصد نتائج هذا العمل الاجرامي كداعم مباشر ومن يتصل به من متواطئ
وخائن للوطن والدين المدعوم بالحقد والتفسير العقائدي المريض.
لكن الاهم لدينا مع كل تلك التحليلات هو ماتثيره التفجيرات الاجرامية من
تساؤلات موضوعية ابرزها.
- طالما ان الارهابيَين الذين نفذا العملية غير عراقيين حسب ما نشر
من معطيات وتحقيقات اولية حتى الان. فكيف عرفا تفاصيل البلد والثغرات
الأمنية ونفذا العملية ؟.
في هذه الحال لابد لهما من حواضن وطرق امداد ومكان للمبيت لعدة
ايام لغرض الاستطلاع والتعرف على المدينة وتحديد المكان، وهنا نكون
أمام أمرين أما ان يكون لهما شريك متنفذ في البلد، او ان هناك فلتاناً
امنياً فعلياً وعدم سيطرة ورقابة على الفنادق والسيطرات الامنية. - اختيار الباب الشرقي وساحة الطيران تحديدا لم يكن اعتباطياً ، بل هو
اختيار تكرر سابقا لذات الفعل الاجرامي. ومن خال التحليل فان تفجير
مكان مأهول بالفقراء العمال البسطاء لايهدف الى تصفية سياسية بل ايقاع
اكبر قدر من الضحايا ، بما يمثل تحديا للدولة واجهزتها واعادة الرعب الى
الشارع الذي عاش فترات آمنة لعام ونصف بعد اخر تفجير شهدته بغداد. - وهو الاهم ، هل ان ماحدث سيكتفي بهذه الرسالة ام انها مقدمة
لاختراقات متتالية تشكل خطورة عامة على المجتمع لانها تستهدف الجميع
مواطنين ومسؤولين على حد سواء؟
واخيرا مهما كانت الاجابات على الاسئلة اعاه فان ماحدث رسالة موجعة
لحكومة السيد الكاظمي ويحملها مسؤولية كبيرة في اعادة هيكلية ضبط
الامن في الشارع العراقي. وهذا لن يتم بالاعتماد على التفسيرات الشائعة
العامة لماحدث بل التحقيق بجرأة عن جميع الاحتمالات التي تؤدي الى
حقيقة ماحدث والوقوف على اسبابه بشجاعة لمعالجته.