د. عبد الحميد الصائح
نمتاز عن بقية شعوب الكون بشهيتنا للاختلافَ والتحليَل السياسي والميول والانحياز لاطراف أي نزاع حتى وإن كان بعيداً بعيدا زمانا ومكانا عن أهلنا وديارنا . فانت تسمع في أي مجلس عام او مقهى أو باص نقل مالم تسمعه من جميع الاذاعات قاطبة وتخرج بعد ساعة وقد عرفت عن الحرب في أوكرانيا والمباحثات في فيينا ومصير المونديال في قطر والافكار التي تبحث الان في قنوات حلف الناتو السرية . فضلا عن الانقسام حول أطراف الحرب، فترى العراقي متحمسا لروسيا التي تحارب المؤامرة الأوربية الامريكية لحصارها وطعنها من خاصرتها في أوكرانيا، مقابل متحمس معارض يرى أن روسيا مختطفة من قبل رجل المخابرات السوفيتي الذي تحركه أوهام الدولة العظمى التي انهارت في يوم وليلة على يد غورباتشوف قبل اكثر من ثلاثين عاماً وتم الاعلان عن استقلال الجمهوريات السوفيتية التي ضمتها تلك الامبراطورية وأن السوفيتي الأخير . ويختلف العراقيان على ذلك حد التخوين كما يختلفان على نوادي كرة القدم ،فالعراقي لايتحمل الحياد ولايتحمل التأمل في مواضيع ذات أبعاد وتشعبات وأسرار أبعد بكثير عما نراه ونسمعه ويسوق لنا في وسائل الإعلام ضمن حرب مدروسة مخطط لها تغزو العقول وتتلاعب بالاولويات فتحولنا الى جمهور منحاز حسب ارجحيتها . خطورة الأمر حين نبني مواقفنا على توقعاتنا وننشيء توقعاتنا استنادا الى معلومات شائعة غالبا ماتكون مجهولة المصادر . فتتاسس ثقافة القطيع التي تتحدث في كل شيء وعن أي شيء حتى تصطدم بالحقائق في بعد ، زهي عادة ماتكون مفاجأت خارج تلك التوقعات . فمع كل حدث دولي يعود العرب الى تحسس احجامهم في هذا العالم ، ويعود المحللون اليوميون الى مواجهة حقيقة لن تتغير هي ان للعالم مراكز نفوذ كبرى هي التي تؤسسه وترسم خرائطه وتعيد انتاجه بين حرب وحرب ، ورغم عشرات الحروب البينية والاحتلالات الصغيرة والخلافات بين الاخوة والاعداء الصغار لكن عالم اليوم الـذي نعيشه هو مخرجات حربين عالميتين تاسست من رمادهما وحطام اسلحتها بلداننا العربية وبلدان أوربا، وأن الاقوياء لهم لغة خاصة للتخاطب لانعرفها نحن الذين نرمي أحجارنا في الظلام اذا اصابت ضبطت واذا خابت قلنا مؤامرة . في هذا العالم لايوجد لضعيف مأوى ولا لفقير رأي واصوات المدافع والجنازير التي تسحق الاطفال وتفجر الطرق والبيوت الامنة تخرس كل منظمات حقوق الانسان التي لن يصغي لها سوى الضعفاء والخاسرين والذين يوظفون جهودها لاشعال الفتن او الحروب . في هذا العالم الذي لايعرف صناعته سوى الطغاة لايمكن أن نستسلم بسهوله لمبرراته وأساطير القسوة التي تحكمه وتسيّره . فترانا نفتي بسهوله ونحكم بسرعه وتمتليء حياتنا اليوميةبأنباءالجدلوالخلافاتعلىكلحدثوكأّنبناشهية للاختلاف وشهية للتحليل وشهية عراقية لان نهرف بما لانعرف فيتخلط حابل التكهنات وقراءة الكف، بنابل التخصص والتحليل العلمي الرصين