وسام رشيد
يجمع من يمتلك القرار في العملية السياسية كبيراً كان او متواضعاً على النكبة الاقتصادية التي عانى منها العراق بعد قرار رفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار، والجميع يصرّح بالوضع المأساوي الذي آلت اليه حياة الفقراء الذين يشكلون نسبة لا تقل عن ثلثي سكان البلاد، فقد شمل تأثير هذا التغيير سلبياً الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة أيضاً فضلاً عن محدودي الدخل.
جاء القرار في اوضاع صعبة يعيشها المجتمع العراقي، فالجائحة الوبائية عطلت مختلف الاعمال، واحدثت تغييراً نمطياً في مجريات السوق لمدة أكثر من عام ونصف العام.
وقبلها كانت انتفاضة تشرين في بغداد والمحافظات الوسطى وما رافقها من اضرابات عامة وفئوية شملت مختلف القطاعات التي تعاني مما يشكو منه الشعب والنظام على حدٍ سواء.
تطابق قساوة الظرف وسوء التخطيط التخطيط الحكومي ادى الى تفاقم الأزمة، وبرز ذلك في صعود غير طبيعي بإسعار المواد الاساسية والنقل والطبابة.
وكعادة الطبقة السياسية التي اتخذت قرار رفع سعر الصرف، لم يتخلف سياسي واحد عن الظهور في الاعلام وادانة التغيير وتبعاته، وتحميل الحكومة مسؤولية ايجاد بدائل وتوفير الدعم للطبقات الفقيرة، تلك الطبقات التي تتغنى الطبقة السياسية برمتها بالدفاع عن حقوقها التي تسلبها أقتصاديات ضخمة ولجان تختص باستثمار الواقع الاقتصادي والصناعي والتجاري في العراق بكل فروعه، وقطاعاته.
كيانات اقتصادية وجدت من العدم، وأثرت على حساب ميزانية الدولة، والاسثمار، واللعبة التجارية، وانتهاز الفرص النقدية.
فعلى سبيل المثال هناك عدة بنوك كانت تعلم يقيناً (عبر التسريب المحسوب وربما مدفوع الثمن) ان سعر صرف الدولار سيرتفع، فقامت بشراء كميات ضخمة قبيل ارتفاع قيمته، لتتضاعف ارباح تاك البنوك.
لم يحدث ذلك لولا توافق ادارات تلك المؤسسات مع الطبقة السياسية صاحبة القرار.
ومنذ اتخاذ هذه الخطوة والى الان، لم يتوقف القادة عن ذرف الدموع حزناً على معاناة الشعب، والذي تتجاهل الحكومة ما افضت اليه الاوضاع غير المدروسة.
فتطبيق هذا القرار له ضرورة ملحة في ظل عجز الدولة لتسديد رواتب الموظفين، واسباب اخرى تتعلق بتهريب الدولار الى ايران وسوريا، وكثير من السياسيين المختصين حاولوا تبرير تطبيقه مراراً على منصات الاعلام.
القاعدة ان اي قرار اقتصادي في بلدان مضطربة له من اسبابه المنطقية وتأثيراته السلبية لكن الحكمة ان يتم ذلك بالتوازي مع سلسلة اجراءات تخفف من تأثيراته السلبية على الطبقات المسحوقة.
العراقيون يعون جيداً ان سبب تخريب بلادهم هم ذاتهم الذين يتباكون الان ويصرخون بتغيير وارجاع سعر الصرف الى سابق عهده، ولو قدّر لهم ان يتصدروا بالمسؤولية لمارسوا نفس الاسلوب والطريقة، واتخذوا ذات القرار في رفع سعر الصرف، دون اجراءات موازية تدعم تنفيذه من جهة، وتخفف من تأثيراته التي يعاني منها الآن غالبية الشعب العراقي.
طرق المزايدة والتسابق لخدمة المواطنين عادة قديمة مارسها ساسة الأمس والنظام السابق بالتحديد، وعلى ما يبدو انها جزء من الموروث الثقافي السيء للطبقة السياسية في العراق، اذ لا يمكن لمنظومات سياسية غير قادرة على تنظيم نفسها، ولا تعير اهمية لمنهج التخطيط والحساب الدقيق بإدارة الملفات ان تنجح في تنفيذ أي برنامج يخدم واقع البلاد، خصوصاً في القطاع الاقتصادي الذي يتصل بقوت المواطنين وحياتهم، ومستقبل ابنائهم، وما يتبع انهيار هذا القطاع من تجريف للبنى التحتية والتي تنسحب أيضاً لإنهيار القيَم الايجابية داخل المجتمع.