-1-
يحرص الشعراء الواعون على أنْ يكون لقوافيهم أَثَرُها الواضح في إرساء المناهج السليمةفي دنيا الناس، بعيداً عن التضييع والكسل ، وهم بذلك يقدّمون الكلمة الطيّبة الصادقة لِمَنْتصلُ اليه أبياتُهم الموّارة بعطر المودّة …
-2-
اسمع ما قاله التفليسي ( نجم الدين ) :
اغتنمْ يومَكَ هذا
إنّما يومُك ضَيْفْ
وانتهز فرصة عُمْرٍ
حاضرٍ فالوقتُ سَيْفْ
لا تضيّعْ هذه الأنفاس
فالتضييعُ حَيْفْ
نعم
انّ العمر مهما طال فانّ أيامه كأيام الضيف سرعان ما تنتهي، ومن هنا تبرز أهميةاستثمار الوقت والحرص على اغتنامه ايجابيا في ميادين النفع الانساني والبروالاحسان والعمل الصالح .
-3 –
وقال الآخر :
ازرع جميلاً ولو في غَيْرِ مَوْضِعِه
فلنْ يضيعَ جميلٌ أينما وُضعا
انّ الجميل وانْ طال الزمان بهِ
فليس يحصده الاّ الذي زَرَعا
ولقد صدق فيما قال فان الانسان لا يحصد الاّ ما زرع .
وزارعُ الجميل هو الرابح الذي أحسن الاختبار وقطف الثمار .
وأين هذا الزارع للجميل من ذلك الذي جنى على نفسه قبل أنْ يجني على غيره ممن اجترحالقبائح، وخاض في غمار الفضائح، فانتهى به المطاف الى الندامة والخسران .
-4-
ويندد ( نجيب الحداد ) بالقمار الذي يجعل الاخ فتّاكا بأخيه والجار مُتَنَكِراً لجاره فيقول :
لِكُلّ نقيصةٍ في المرء عارُ
وشرّ نقائصِ المرءِ القِمارُ
هو الداء الذي لا بُرءَ مِنْهُ
وليس لِذَنْبِ صاحِبِه اغتفارُ
موائدُ لا يودُّ المرءُ فيها
أخاه ولا يراعي الجارَ جارُ
أما حرمتُه الدينية فقد أهمل الاشارة اليها اعتماداً على معرفة الناس بها
-5-
وقال المرحوم الدكتور محمد مهدي البصير :
اذا كنتَ تعلمُ أنَّ الأمور
مَعَ الدهرِ لابُدَّ أنْ تنقلبْ
فمالك تيأسُ مُسْتَسلِمَاً
اذا ما رأيتَ ضَعِيفاً غُلب ؟
لا مكان لليأس في قلب العارف بحقيقة الأيام …
انها لن تدوم على حال .
فالعسر زائل ،
وكما قال الله تعالى :
( فانّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا )
5 – 6 / الشرح
ولن يغلب عسرٌ يُسْرين
-5-
وقال شاعراً آخر يشدد على لزوم الصبر :
اذا ما أتاكَ الدهرُ يوماً بنكبةٍ
فَأفْرِغْ لها صبراً وأوسعْ لها صَدْرا
فانّ تصاريف الزمانِ عجيبةٌ
فيوما ترى عُسْراً ويوما ترى يسرا
-6-
ويدعوك الشاعر محمد العبدلي الموصلي الى أنْ تضارعه وتحاكيه في الأعمال والمواقفمن خلال استعراضه لمنهجه الشخصي في التعامل مع
الناس ، فاسمعه يقول :
ما وَدَّنِي أحدٌ الاّ بذلتُ له
صافي المودةِ حتى آخرِ الأبدِ
ولا قلاني – وانْ كنتُ المحَبّ له –
الاّ دعوتُ له الرحمنَ بالرَشَدِ
ولا ائتُمنْتُ على سِرٍّ فبحتُ به
ولا مددتُ الى غَيْرِ الجميلِ يدي
ولا أقول نَعَمْ يوماً فَأتْبعُها
مَنّاً ولو ذهبتْ بالمالِ والوَلَدِ
المطلوب اذن :
بذل المودة للأحباب ،
والدعاء لمن ينقلب عن الحُبّ الى البغض بالرُشْد .
وكتمان الاسرار .
والابتعاد عن الموارد القبيحة والإقبال على جميل الأفعال .
وترك الامتنان بعد الاحسان وهي نصائح يشكر عليها الشاعر .
-7-
وقال الصافي النجفي :
قد درستُ الحياةَ ما اسطاعَ فِكري
فوجدتُ العلياءَ أفضلَ دَرْسِ
قد دعاني الى المخاطر عَزْمِي
وهداني الى العواطف حِسّي
وهكذا ساق اليك ما أرادك أنْ تسعى اليه، فليس ثمة شيء أثمن من العلياء، وعشّاق المعالييأبون أنْ تدنسهم الأدران، والنقاء من أروع صفات الانسان .
-8-
وقد تتألم حين ترى من لا يُحسن فهمك ، وقد تضيق به ذرعا لأنه انتقدك وأخذ عليك مالم يكنمُحقّا فيه … فَتَذّكرْ قول الشاعر :
اذا رضيتْ عَنّي كِرامُ عشيرتي
فلا زال غضباناً عليّ لِئامُها
فلن ترضى اللئام عن الكرام
وهذا مختصر الكلام
-9-
قال الشاعر :
ارى أناسا بأدنى الدِينِ قد قنعوا
ولا أراهم رضوا في العيش بالدُوِنِ
فاستغنِ بالله عن دِينِ المُلوكِ كما
استغنى الملوكُ بدنياهُمْ عنِ الدِينِ
أقول :
انّ الكثير من المصلين صلاة كنقر الغراب لا يرضون الاّ ان يكونوا في بحبوحة من العيش .
وهنا تكمن المفارقة
اكتفوا بالحد الأدنى في أمورهم الدينية ولكنهم طامحون الى الحد الأعلى في الامورالدنيوية .
أما المتسلطون على الرقاب فقد استغنوا بالدنيا عن الدين
والسؤال الآن :
أين المستغنون بالله من عباده الصالحين – والمأمول ان تكون منهم – مِنَ المستغنين بالدنياعن الدين ؟
فريق في الجنّة وفريقٌ في السعير .
-10-
وقال الشاعر :
وما مِنْ كاتبٍ الاّ ستبقى
كتابتهُ وانْ فنيت يداهُ
فلا تكتب بكفّك غيرَ شيءٍ
يُسرَكَ في القيامةِ أنْ تراهُ
أحق الناس بالاتعاظ بهذين البيتين هم أصحاب الأقلام المأجورة الذين ينطلقون مسرعينالى التشهير والتسقيط بخصوم مَنْ يدفعُ لهم المكافاءات الجزيلة، غير عابئين بالحقائقوالقيم الدينية والاخلاقية والانسانية .
وزملاؤهم ممن يُجندُون في ( الجيوش الالكترونية ) ويكون شغلهم الشاغل بث الأكاذيبوسَوْق الاشاعات المغرضة دون هوادة، يهدفون بذلك الى تسقيط خصوم مَنْ جَنَدّهمووظّفهم لهذه المهمة القذرة .
انكم تكتبون اليوم ما تكتبون وليس ثمة مَنْ يردعكم أو يحاسبكم غافلين عن أنّ هذهالكتابات مسجلة عليكم ومحفوظة، وستسألون عن كل حرف مما كتبتم، وعندها فلن تنفعكمالندامة بعد ان جعلتم أنفسكم حطبا للنيران ..فبئس ما صنعتم … وستلقون جزاءكم العادل.
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com