مظفريات (٤٢)  ابطال النواب / محمد السيد محسن

مظفريات (٤٢) ابطال النواب / محمد السيد محسن

يكتبها
محمد السيد محسن

علي بن ابي طالب وجيفارا والحسين بن علي وأبو ذر وسليمان بن خاطر وجابر البيلسان وحسين الاهوازي وسلام عادل …
انهم عينات من رجال ضمنهم مظفر النواب بعض قصائده ، وهناك غيرهم ، بيد ان سؤالا. يتبادر للاذهان : ما الذي يجمع بين هؤلاء ؟ انه ليس الدين وانما المعتقد ، وفارق كبير بين الاثنين ، فالدين ان تتعبد وتتخذ طريقة للتقرب للاله ، بينما المعتقد هو الممارسة الحياتية التي تتخذها كسلوك مجتمعي وسياسي .
هؤلاء يجمعهم معتقد واحد ، هو قدرتهم على ان يضحوا من اجل الاخرين ، جميعهم نذر نفسه لقضية آمن بها ، عاشوا مصلحين بالصوت والسلاح ، ولم يلق احد منه سلاحه حتى قضى ، وليس بالضرورة ان يكون السلاح ما يحمل على الكتف ، سلاح هؤلاء كان الوعي وتسريب ذلك الوعي للاخرين .
منهم ضحايا ، ومنهم مقاتلون ، ومنهم ساعون الى المجد ، لكن قاسما مشتركًا جمعهم في قصائد مظفر النواب وهو البطولة.
فعلي بن ابي طالب مثل لمظفر النواب قيمة تاريخية تتسم بقدرة القتال من اجل الحق ، فيما الحسين بن علي القتال حتى الرمق الأخير دون ان يعطي بيد للأدعياء من الحكام ، وأبو ذر قيمة الصبر الكبير ، فيما سلام عادل يمثل قيمة الصمود ، وهو اكثرهم قربا لمظفر ، ومن شدة اعجابه بسلام عادل وهو سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ، تكنى مظفر ب “أبو عادل” على الرغم من انه لم يرتبط بزوجة ، حيث انه يرى في سلام عادل اكبر حالة حيف مرت في حياته ، كان يحب هذا الرجل ويحترم اداءه الحزبي وصموده بوجه جلاديه، جدير ذكره ان سلام عادل تعرض الى تعذيب قل نظيره ، وضربت بصبره وصموده الامثال بالنسبة لمناضلين كثيرين وقعوا تحت رحمة سوط الجلاد وزبانية السلطة وظلمة السجن.
قال فيه مظفر واصفاً لحظة يأس الجلاد منه ان يضعف :
لحظة أن سَـمَلوا عينيك العاشقتين
أضاء النفق المظلم بالعشق الأحمر
واحتـُضِر الموت
قال رفاقك لِمَ تتَوَجع
إلا رجفةُ صًبر
وتوجعَ مما غارَ السفودَ بعينيك
الكونُ وَصاحَ الصمت
أدرتَ عماك المبصرَ للشَعب
أعطيتَ بيانَ الصَمت
وتقويمك فاجتمع الوَقت
…..
ولم يرث النواب سلام عادل الا بعد ثلاثين عاما من استشهاده ،
وقد تأخر عن كثير من الشعراء ، واولهم الجواهري الذي كتب قصيدة رثاء لسلام عادل ورفاق دربه من المناضلين الشيوعيين الذين صمدوا حتى قضوا ، وقال فيهم :
سلاماً: حماةَ النضالِ العنيدِ، أمنْ جَلْمَدٍ أنتمُ ، أم حديدِ ؟
أغيرَ الجلودِ لكمْ من جُلودِ؟، تصارِعُ هولَ العذابِ الشديد؟؟
أجنتكم أن تصالوا سعيرا، وأن لا تبيعوا لوغدٍ ضميرا
ومن ذلك حزُّ الوريد، سلاماً: شُراةَ الردى بالخلودِ
….
وقرأ أبو عادل القصيدة لأول مرة في حفل في قاعة مكتبة الأسد عام ١٩٩٥ ، واذكر يومها اننا الاثنان خرجنا من داره حيث استقلينا تكسي الى مكتبة الأسد ، وفي الطريق كنت ارتب أوراقه وسألته ان سبب تأخره في كتابة رثاء لسلام عادل ، قلت له : أراك تأخرت في رثاء سلام عادل ، أجابني : احب هذا الرجل بقدر ما أخشى منه ، فهو بطل خارق وذكي خارق ، وكان استشهاده صدمة كبرى في حياتي ، وتحولاً كبيراً في قناعاتي وسلوكي ، قبل استشهاد سلام كنت خجولاً ، وبعد استشهاده ثار الأسد في داخلي.
ومن ابطال مظفر النواب جابر البيلسان ، وهو شيوعي أصيب بالتدرن في اهوار جنوب العراق ، ورثاه مظفر بحكاية مؤلمة قال فيها :

 

 

جابرٌ كانَ بعدَ القناطر
حقلاً مِن البيلسانِ العراقي
نَلوي إليهِ زِمامَ الطريق
كان في عِزِّ
حُمّى التَدَرُّنِ والقيظِ
يجمعُنا مثلما لُبَّةُ الخَسِّ
في ظِلهِ الدَسم
كاللّعبِ بالحَلماتِ
يُحَمِّصُ قهوتَهُ والأماني
ويقرأ سيرةَ
حربِ العصابات للحاضرينَ
ولم يَبقَ مِن رِئَتيهِ
سوى سَعلةٍ
وهلالٍ رقيق
ويرشِفُ ما قد تَبقّى
مِن الهالِ في شاربَيه
وتصعدُ في اللّهبِ الذهبي
ملامِحَهُ والسُّعالِ وأحلامُه
وبرغمِ الهواءِ
الذي يَتَدرَّنُ في الليلِ
كنا نرصُّ بخيمتِهِ
حُزنَ أيامِنا والسروجَ
وحِصَّتَنا مِن غَدٍ
وانتظاراً عتيق

شاحبٌ مِثلما ينقضي
موسمُ البيلسانِ العراقي
جابرٌ لم يلتزم بسوى القمح
رغم انتقادِ النعاجِ
التي هَرِمت
في النضالِ السياسي
ثم تَرَحَّلَ عنّا
حَملنا مَحفَّةَ أوجاعِهِ
في ضبابِ الخريف
كأنّا نُشيِّع نهرَ المَجرَّةِ
ما كانَ غيرُ التَدرُّنِ
فوقَ المَحفَّة
ما كانَ غيرُ العِظام

إذا جاءَ جابرٌ يومَ الحِسابِ
بليغَ التَدرُّنِ والصمتِ
تلكم أهمُّ لغاتُ المُحِبين
يا سيدي
ستكونُ بطاقتُهُ
للدخولِ على اللهِ
نفسُ بطاقتِهِ
في الكفاحِ المُسَلّحِ
خُذ بالمُتَيَّمِ بالأرضِ
جابرُ ياربُّ للرافدين
فإن العراقَ
أحَبُّ الجِنان إلينا
وإن أخطأ البعضُ مِنّا الطريق
….
كان مظفر يجد قوته في استذكار الابطال ، يستمد منهم قوته ، ويرى فيهم وقته المبدد بالنضال من اجل قضايا امته ، ويكشف من خلال بطولاتهم عورات من قتلوهم ، فابطال مظفر واضحون ، اما قاتلوهم فيختفون وراء جبنهم ، ولم يعرف قتلة ابطال مظفر وان ذكر التاريخ بعض قاتليهم .
وفي بعض قصائده “الفلسطينية” كان مظفر يذكر بعض الفدائيين الفلسطينيين دون ان يشخصهم بالاسماء بيد انه يدون من خلال استذكارهم القيم السامية بالبطولة والاباء والوقوف بيد الموت بصلابة الشجعان ، كتب يوما عن تشييع فدائي فلسطيني :

دم الشهيد واسع الجناح
مخطئة أنظمة السفاح
لا يقهر الفدائي ولا يزاح
إذا أراد احتدمت جهنم لأكثر من طاقتها
بلى … فحرر السلاح أولا
فأولا يحرر السلاح
مخطئة أنظمة المخابرات
ليس تنطفئ النجوم بالرصاص والظلام والنباح
وليس يمرض الفدائي
سوى من قائد به انفتاح اعرف منهم واحدا
صلت على أذياله من خلفه الرياح
لا توقدوا الليلة في بيت الشهيد أي شيء
فالجراح وحدها تضيء فوق رأسه
ووحدها لا تنطفئ الجراح

(Visited 14 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *