نعيم عبد مهلهل في روايته الجديدة
(( سبيةِ ايزيدية في مزهرية ))
تفاصيل السبي والشتات واللجوء الى اوربا
صحيفة المستقل / كولونيا / المانيا
في إنجاز سردي جديد ومهم يطل فيه الروائي العراقي المقيم في المانيا ( نعيم عبد مهلهل ) وروايته الموسومة (( سبيةِ ايزيدية في مزهرية )) والصادرة من المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ بيروت وبدعم كامل من منصة أبداع في مجلس الأعمال العراقي في عمان .
الرواية كما في لغة نعيم عبد مهلهل السردية مصبوغة بهاجس الشعر وتفقد الأشياء المسكونة بأقلية الانتماء والتي تربكها القوى المتسلطة والمنحرفة والقاسية .
فبعد أنبياء الأهوار الرواية التي صدرت عن ذات الدار وبذات الدعم يضعنا نعيم مهلهل مرة أخرى مع شكل جديد في تناول مشهد سحري في لغته وحزنة واستلابه ويؤطر فيه قلقه من مصائر بعض الاثنيات والشعوب وهي تعيش هاجس الخوف من التعرض لويلات لم يُحسب لها ، فتكون خيارات اللجوء بعض مفاتيح الحل المؤقت الذي سرعان ما يتحول الى حل ابدي في مدن الشتات والمهجر والمنفى.
يكتب نعيم عبد مهلهل روايته بلغة سينمائية احترافية ومثل ما تعودنا عليه في سرده الثري يمسك ذات الكاميرا ويراقب كائناته التي يعيش معها في ذات الأمكنة . كمبات اللجوء وخنادق الحرب وقرى الفلاحة التي كانت تأوي اهل ديانة عراقية قديمة ( الايزيدية ) التي تعرضت الى اكتساح وحشي من فلول داعش . ونفذ في هؤلاء المأخوذين على غرة واحدة من ابشع ممارسات التطهير الديني والعرقي والسبي .وكانت صورة السبي الممثل في الفتاة الايزيدية ( سامية ) ابنة واحد من الايزيدين الذين عاش معهم بطل الرواية في جنديته ليكتشف فجأة انه بعد سنوات طويلة من الحرب العراقية ــ الإيرانية يعيش معه في ذات كمب اللجوء لكنه لم يلتق به سوى لاحقا عندما خرجا من الكمب ونالا لجوءا سياسيا من الدولة الألمانية ، وسيعرف لاحقا ان ابنة صديقة الايزيدي ( سامية ) تم أخذها سبية الى مدينة الرقة وان رسائلها تصل مهربة الى أبيها بين الحين والحين وانها بيعت لأكثر من مرة .
دراما وميثولوجيا ومشاهد نجح ( مهلهل ) في رصد مشاهدها عبر فنتازيا الحياة المغتربة بسبب لعنة الدبابات وسيوف الذبح وقد تداخلت معها قصة الألباني اللص الذي عاش معهم ذات الهم في معارك الصرب والبان كوسوفو ومن نتاجها ان الألبان يعيشون هاجس التهجير عن بلادهم وقد فضلوا البقاء في المانيا حتى من دون أوراق رسمية وقد احتفظ الكثير منهم بذكريات مشوشة عن طقوس قراءات فرضت عليهم ليقرأوها في زمن يوغسلافيا وتيتو وهي رواية جسر على نهر درينا لإيفو اندريش.
وقد نجح مجلس الأعمال العراقي في عمان من إظهار تحفة ادبية وإنسانية مختبئة في رفوف الانتظار ، وتحدث عنها الدكتور سعد ناجي المسؤول عن منصة أبداع في مجلس الاعمال العراقي انه في قراءته للرواية رأى ضرورة ان تكون مكملة لأبداع الروائي في مطبوعه الذي نشرته منصة أبداع ونال صدى رائعا وواسعا في مجموعته القصصية ( انبياء الاهوار .) ويقول الدكتور سعد ناجي ان رواية سبية ايزيدية تجسد مؤلم لمحنة أخوتنا الايزيدين شركائنا في الوطن والمصير والانتماء الى العراق ، وشعرت ان الرواية تمثل بوحا خفيا وجريئا لما تعرضت له تلك الأقلية العراقية . لهذا سارعنا لتبنيها وطبعها وجعلها مشروعا ثقافيا وحضاريا وانسانيا من اجل قضية ايزدية العراق وكل الاقليات .
ناشرها الأستاذ والناشر ماهر الكيالي صاحب المؤسسة العربية للدراسات والنشر اعتبرها عملا أدبيا مميزا يستحق القراءة وانه يرى في مهلهل طاقة روائية كبيرة ومبدعة وان الدار عندما تستهم في نشر هكذا رواية أنما تساهم في أحياء روح السلام والمواطنة والحرية في روح كل حالم بالحياة ويقاوم الظلم والإرهاب والتخلف .
فيما كان الغلاف الذي ابدع فيه سيروان بوران تحفة فنية اختيرت من قبل المؤلف والمجلس من بين لوحات عديدة ابدع فيها الفنان سيروان وهو يجسد معناة النساء الايزيديات في واحدة من اقسى محن العصر الحديث.
هذه الرواية ( سبية ايزيدية في مزهرية ) عالجت السبي بهاجس الحزن والحلم لكنه في الختام لا تجد تلك المسبية الايزيدية سوى الانتحار ويلحقها بنيها بذات طريقة الانتحار . وبلغته السينمائية وحبكته الشعرية المبثوثة في ثنايا سرد مؤلم يفتش نعيم عبد مهلهل عن الآمال في خبايا الروح الإنسانيَّة ويرصد غربة الشرق ودياناته وهي تلجأ الى الغرب طلبا للأمان والحرية والحياة الكريمة .
يكتب نعيم عبد مهلهل خواطر مشاعره في مزهرية مرسومة على ذكريات سنواته هجرته في المانيا ، وتتحرك هذه المزهرية لتنطق حكاية سامية ( السبية ) الايزيدية ليشعر الروائي أن سرديته مكتوبة لتعيش انفعال الحنين الى الحرية والحياة الكريمة ، ان في كل جهة من الرواية حركة للكاميرا وهي ترصد الحلم الإنسانيَّ وعذاباته من عديمي الرحمة والحضارة .
ليبدأ السرد على لسان كاتب الرواية ( نعيم عبد مهلهل ) ليقول لنا تفاصيل حلم الرواية
في الشرق واغلب ما لدى أقلياته العرقية والدينية هناك بواطن روحية صافية تسبح بمساعدة ملائكة يأتون من السموات العلا بأشكال نورانية تختلف من ديانة الى اخرى .
وجميعهم مهما اختلفت رؤيا ديانتهم هم في نظري عشاق الله ، ومتى بدأت في تنفيذ هاجس هذه الرواية (سبية ايزيدية في مزهرية ) كان علي أن ابتدأ من هذا العشق بشكله الصوفي والكهنوتي .
شغلتني الايزيدية كديانة في متشبهات السمو مع ديانة اخرى كتبت عنها اكثر من عشرة كتب وهي الديانة المندائية التي تشارك الايزيدية في ازل وجودها في العراق لكن المختلف بينهما ان جغرافية الوجود المندائي تكمن في العراق وايران فقط فيما تمتد الايزيدية الى العراق وتركيا وسوريا وارمينا وفي بلدان أسيوية اخرى .
وفي تصوري لرؤية البدء في هاجس الكتابة ان شعبا كاملا صلبه من تصوروا انهم ولاة الخلافة الجديدة ( داعش ) وهو الشعب الايزيدي الذي اختاروا معه طريقة اخرى للقتل تشابه موت الخوازيق وهما الذبح والسبي.
وأعتقد ان هاجس السبي اشتغل معي كهاجس أنساني يعيش معي ذكريات الايزيدين الطيبين والأصلاء الذين عشت معهم في الجندية او الذين جاءوا الى مدينتي الناصرية متعهدين لنادي الاتحاد العام للأدباء والكتاب الذي كنت أترأسه لدورتين ، فكونت معهم علاقات عائلية . وكانت زوجتي تنتظر كل شتاء قناني الراشي ( زيت السمسم ) التي يصنعونها في بيوتهم في قراهم في سنجار وسهل نينوى والشيخان ويجيئون بها من ضمن هداياهم لبيتنا.
في تلك الرؤية حركة دمعتي وعدسة الكاميرا وتشكلت عندي هواجس البحث عن مصائر اؤلئك الذين عقدت معهم تلك الصداقات البريئة واهمها صداقتي مع الجندي جبل مردان حسو .وقد اهتزت أعماقي حين عرفت لاحقا انه كان معي في ذات كمب اللجوء في قرية شوبنكن الألمانية وتم طعنه من قبل الباني في شجار لم يكن هو طرفا فيه بل تدخل للصلح بين شاب ايزيدي واخر الباني حول أحقية الدور في استخدام التواليت.
وفي ذلك المشهد ( استخدام التواليت ) فأن ما حدث هو نتاج الارتباك النفسي والمزاج الذي يعيشه طالبي اللجوء في انتظار الأمر الذي تصدره المحكمة التي نظرت بطلبهم وأجرت المقابلة معهم ، وكانت حظوظ الايزيدين اكثر بكثير من حظوظ الألبان في نيل موافقات اللجوء واسرع ، ولهذا ينظر الألبان الى الايزيدين بحسد ويتساءلون عن السر عندما يجهلون أشياء كثيرة عن الايزيدية كعرق وكدين وكشعب.
عندما تمضي مع إحساسك ، وانت تتمنى ان تتحول من الرواية لتكون فيلما سينما ، فعليك ان تضع الصور بمستوى الحركة التي تتناسب مع إحساسك أولا .ثم تجسدها لتكون مشاهدا تؤرخ ما تريد ان تجعل فيه الأخر منبها وتعاطفا مع شخصوك في الرواية وممثلي الفيلم .
تسمرت كمن يجلس أمام الشاشة وانا أتابع ما ستذهب اليها فصول الرواية بعد تلك المقدمة الصوفية التي تقدمت الرواية والتي أسميتها عشاق الله .
بدأ الفصل الأول الموسوم (صدفة حياتية في الفلو ماركت ) وكأن الأمر لن يذهب سوى الى تفاصيل طقس أسبوعي يستخدمه المهاجرون كطقس للنزهة والتسوق وشراء ما يسمى في الشرق ( الأنتيكات القديمة ) ومنها مزهرية اشتريتها من الباني ادعى كذبا انها لنبيل الماني تركها في الشارع مع أثاث بيته بعد موته لتعطى الى البلدية التي ستحملها في اليوم الثاني وتسمى تلك الطريقة ( الشبيل مول ) .فأتى الألباني ليأخذها مع حاجات اخرى ويذهب بها الى بسطيته الأسبوعية في سوق السبت ( الفلو ماركت ) ليبيعها بسعر رخيص.
دراما تلك المزهرية هي من فتحت مغاليق الحكاية .وتحولت لتصنع الترابط في الأحداث بين ان تكون حقيقية وأخرى متخيلة ، لكني وانا احمل الكاميرا لتصوير ما يفدني في سرد الرواية التي كانت هاجسها الاول كنت ارسم على بدن الزهرية صورة جبل مردان حسو وهو يحمل محطات ذكرياتنا واحزن لانهم اخذوا من أحشائه اكثر من متر ولكني لم اعرف وقت الشروع بكتابة الرواية ان له مصيبة اخرى .وهو ان واحدة من بناته هي الآن سبية لدى داعش في مدينة الرقة وان رسائله المحملة بالكم الهائل من الحزن والشكوى والاسى تصل اليه مهربة بشق الأنفس وهو في المانيا.
ومتى وصلت الى فكرة ان هذه المزهرية تكاد تكون البوصلة التي تؤشر لي على المكان الذي يسكن فيه صديقي الايزيدي الذي شاركني رعب الحروب في مدينة بنجوين وحاج عمران وبحيرة الأسماك وقواطع جبهات الأهوار وفي بدرة وخانقين وكلار.
عندما تمضي مع إحساسك ، وانت تتمنى ان تتحول من الرواية لتكون فيلما سينما ، فعليك ان تضع الصور بمستوى الحركة التي تتناسب مع مشاعرك الروحية ، ثم تجسدها لتكون مشاهدا تؤرخ ما تريد ان تجعل فيه الأخر منبها وتعاطفا مع شخصوك في الرواية وممثليك في الفيلم .
تسمرت كمن يجلس أمام الشاشة وانا أتابع ما ستذهب اليها فصول الرواية بعد تلك المقدمة الصوفية التي تقدمت الرواية والتي أسميتها عشاق الله .
لاحقا سيتحدث الروائي عن السبب الذي دفعه ان يضع الرؤيا عبر رواية لأديب صربي كان قد حصل على جائزة نوبل في مطلع القرن العشرين . وسيكون عليه ان ينقل لهم اللحظات المشتركة التي تجمع كاتب الرواية ومخرج الفيلم ، وقد أخبرته ان الرواية بدأت بشراء مزهرية مسروقة لا يتعدى ثمنها ثلاثة اوروات او حتى عشرين ،ولكن المزهرية رسمت في زخرفتها قضية هائلة من مشاعر حركت في الليل تفاصيل ذكريات هذا الرجل الذي مزقوا أحشائه في كمب اللجوء ولم يكن هو معنيا في الأمر ،وحتى قبل ان اعثر عليه في مدينة بوخوم حيث يعيش وعائلته أحسست بأنه قد يعاني فقدانا اخر غير أمعائه التي تم استئصالها بعملية جراحية ، وكأنني اعرف ان مع كل ايزيدي اتى الى منفاه وهجرته القسرية معه قصة اقلها وقعا احتراق بيته وحقله وتهجيره عن وطنه وأكثرها تأثيرا وألما وإنسانية ان ينال واحدة من إناث البيت فاجعة السبي . حيث يتفاجيء العالم بتلك الصورة المستعادة من الاستعباد والامتلاك الوحشي وقد ظن العالم ان تلك العادة ذهبت مع عصورها ومبرراتها وتشريعها . وان الحضارة الجديدة ترى في السبي جرما وأذلال وانعداما للإنسانية حين يتم التعدي على حواء بهذه الطريقة.
بدأ الفصل الأول الموسوم (صدفة حياتية في الفلو ماركت ) وكأن الأمر لن يذهب سوى الى تفاصيل طقس أسبوعي يستخدمه المهاجرون كطقس للنزهة والتسوق وشراء ما يسمى في الشرق ( الأنتيكات القديمة ) ومنها مزهرية اشتريتها من الباني ادعى كذبا انها لنبيل الماني تركها في الشارع مع أثاث بيته بعد موته لتعطى الى البلدية التي ستحملها في اليوم الثاني وتسمى تلك الطريقة ( الشبيل مول ) .فأتى الألباني ليأخذها مع حاجات اخرى ويذهب بها الى بسطيته الأسبوعية في سوق السبت ( الفلو ماركت ) ليبيعها بسعر رخيص.
دراما تلك المزهرية هي من فتحت مغاليق الحكاية .وتحولت لتصنع الترابط في الأحداث بين ان تكون حقيقية وأخرى متخيلة ، لكني وانا احمل الكاميرا لتصوير ما يفدني في سرد الرواية التي كانت هاجسها الاول كنت ارسم على بدن الزهرية صورة جبل مردان حسو وهو يحمل محطات ذكرياتنا واحزن لانهم اخذوا من أحشائه اكثر من متر ولكني لم اعرف وقت الشروع بكتابة الرواية ان له مصيبة اخرى .وهو ان واحدة من بناته هي الأن سبية لدى داعش في مدينة الرقة وان رسائله المحملة بالكم الهائل من الحزن والشكوى والاسى تصل اليه مهربة بشق الأنفس وهو في المانيا.