وسام رشيد || كاتب عراقيَّ
منذ اليوم الثاني لسقوط الطفل البريىء ريان بذلك البئر اللعين الموحش، وانا لم استطع النوم مطلقاً، فقد وضعت نفسي مكانه تماماً وانا ذو الاربعين عاماً، فلم استطع مجرد ان استمر بذلك الخيّال المؤلم، فما بالك بطفل بالخمسة من عمره.
أستمر شعوري بوجع لا ينتهي، عبّرت عنه دموعي وحسراتي التي لم اخفيها امام زوجتي واطفالي الذين يتقاربون عمراً مع ريان، وكنت اتسائل:
ماذا يدور بخاطره، ماذا ينتظر، هل يستطيع البكاء، هل يستطيع تناول طعامه، هل ينام، كيف يبكي شوقاً لحظن أمه الدافىء في ظل برودة الجو، ماذا يفعل هذا البرىء وقد قست عليه الحياة ايما قسوة دون ذنب سوى انه طفلاً لا يستطيع مواجهة القدر الموحش.
لقد خيّل لي في تلك الايام الصعبة أن قانون الحياة اصيب بالشلل، وعجز عن انصاف ريان، وقد وضعه في قاع بئر اظلم موحش وقاسي، ريان كان عاجزاً متحيراً امام صخرة الموت التي جثمت على صدره، ومصدرماً من قسوة ما ناله، في هذه الحياة، دون ذنب، او ادراك، فلماذا ايها القدر اللعين، تمحل الطفولة كل تلك المشقة، والموت، والتي تعجز الكبار، والمذنبين عن تحمل او استيعاب اجزائه، فهل هي سخرية من انسانيتنا، ام درساً لعفوية العالم الذي نعيشه دون ان يفرق بين أخطائنا، وبرئتنا.
لقد وضعتنا مأساة ريان أمام وقائع حقيقية لعدد لا يمكن حصره من الحالات المماثلة، والتي لا تقل مأساوية عن ما جرى مع ريان، فقد جسد الالف الاطفال الذين دفنوا احياء تحت ركام بيوتهم وعلى اسرتهم في العراق وسوريا وليبيا واليمن.
واستحضرت مئات الأطفال الذين قضوا حرقاً على اثر المفخخات التي انفجرت في اسواق بغداد ومدارس الموصل وشوارع النجف وجوامع ديالى ومستشفيات الناصرية، وتجمعات السماوة، وبلغت تصوراتي حداً ان اعيش تفاصيل تلك اللحظات، واسمع صرخات الاستغاثة الممزوجة بنداء (ماما -وبابا) الذي تتلفظه السنة الطفولة عندما تتعرض لألم.
لقد وضع ريان انسانيتنا في اختبار صعب، اذ كان علينا ان ندرك ما يمكننا فهله لاجل انقاذ مستقبل اطفالنا، ووضعنا اما مسؤولياتنا تجاه مجاعة اطفال الصومال،ومناطق النزاع في رواندا، ومشاكل طالبان الافغانية، وغطرستها في اساليب التربية.
وضعنا ريان أمام اختبار اخلاقي، اذ ان ضمير الانسانية لا يقبل الحياد او التجزئة، والنظر الى العالم بعين واحدة، وغض الاخرى هو تعبير عن الرضا بظلم الطفولة هنا، ورفضها هناك، وهو موضوع خلل ومخالفة صريحة للضمير الحي الرافض لكل اشكال الظلم والتعدي.
لكن ما خيّب ظني وزاد من المي ذلك الهيكل البشري الذي نجح ريان بكشف النقاب عن فقدانه مقومات الانسنة، فيات هيكلاً بشكل انسان، خالي من الروح والشعور بالاخر، فتراه يسخر من تعاطف الناس، او يشترط مع ذلك التعاطف مواقف أخرى لمآسي تتجدد في مجتمعاتنا التي تنتج موتاً بطيئاً صامتاً وخبيثاً تماماً كهؤلاء الذين رفضوا التفاعل مع ريان، لانه كشف زيف انسانيتهم.