أهو نقد موضوعيّ أم هجاء لمنافس ؟

حسين الصدر

-1-

التراشق الغليظ بين رجال يُعدوّن أنفسهم من الكبار أقبح بكثير من التراشق بين الصغار ..!!

انّ الصغار قد يدفعهم جهلهم وقلة خبرتهم وتجاربهم الى التهور والتسرع والتطاول على الأخرين ولكنْ ما هو عُذر الكبار ؟

-2-

ومن الأمراض الشائعة اعتبار ( المُنافِس ) خصماً ، مع أنَّ التنافس في مضمار الخدمة العامة أمر لا غبار عليه ، لا بل هو مطلوب، وبه قد نصل الى الأحسن والأجود .

-3 – 

وقد نقل لنا التاريخ أنَّ العالم النحوي ( نفطويه ) حين وقف على كتاب ( الجمهره ) الذي ألفه ( ابن دُريد ) استشاط غضبا لأنه لم يكن في رأيه الاّ نسخة من كتاب (العين ) للخليل ابن احمد الفراهيدي .

فاندفع يندّد ( بابن دريد ) وبكتابه لكنْ بلهجة السياب والشتيمة التي لا تُقبل من أمثاله ..!!

قال :

( ابنُ دريدٍ ) بَقَرَهُ 

وفيه لُؤمٌ وَشَرَهْ 

قد ادّعى من جهلهِ 

وضعَ كتاب ( الجمهرهْ ) 

وهو كتابُ ( العين ) الاّ 

انّه قد غيرّه 

كان بوسعه أنْ يقول :

انّ كتاب الجمهرة نسخة من كتاب العين ، اذا كانت تلك هي رؤيته، ولكنّه لم يقف عند رأيه بل زاد عليه بأنْ سمّى ( ابن دريد ) بقرة ، ووصَفَهُ باللؤم والشره والجهل وهذه اتهامات ليس من الصحيح أنْ تطلق على رجل ضليع باللغة ( كابن دريد ) .

واذا كان لِكُلّ فعلٍ ردّ فعل مماثل أو أعنف فقد رَدَّ ( ابن دريد ) على ( نفطويه) فقال :

أُفٍ على النحوِ وأربابِه 

مُذ صار من أربابه ( نفطويه ) 

أَحْرَقَهُ اللهُ بِنْصفِ اسمِهِ 

وصيّر الباقي صُراخَاً عليْه 

{ نصف اسمْه : نفط والنفط مادة الاحراق 

وَوَيْه : اسم فعل للتوجع 

-4-

لا يسوغ لذي العقل ان يعادي النقد والنُقّاد متى ماكان نقدهم بنّاءً ، لأن النقد البنّاء هو السبيل للوصول الى مرافئ السلامة والصحة .

أمّا اذا كان النقد منطلقا من الأحقاد والضغائن ، وهادفا الى التشهير والتسقيط فذلك ما يجب أنْ يأنف منه أصحاب الفضل والدراية، وأنْ يوصدوا أبواب الاتهامات والشتائم ، ويكونوا قدوة لغيرهم من الناس، لا أنْ يمارسوا بأنفسهم شنّ الغارات المنكرة ويطلقوا قذائفهم المسمومة بعيداً عن كل ما تقتضيه القيم والموازين العلمية والأخلاقية .

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *