د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
لازمني الأرق يوم أمس و غادر النوم جفوني ، لم أنم دقيقة واحدة يوم أمس ؛تمشيت تارةً و تمددت تارةً ،لم أشعر بالأستقرار ،تناولت جهاز الآيباد و ضغطت على آيقونة اليوتيوب العجيبة، شاهدت مقاطع … لا على التعيين ، بدأت بالمشاهدة مع جولات و صولات أستاذنا العلوي و هو يهدد المذيعين بعصاته عندما لا يستسيغ السؤال أو يعتبره سوال يفتقد للذكاء الصحفي ، ثم شاهدت سجالات فائق الشيخ علي مع المذيعين وقوة بديهيته ، ثم نقرت الزر لأشاهد تحشيش أغنية “طابخين النومي يا بيت كطيو جيت اضوكه واحترگ بلعومي” ،ثم أحسست بالضجر و الملل لأتمشى مرة آخرى عسى أن يداهمني النعاس و يضرب النوم رأسي بالضربة القاضية الفنية ، لكن هيئآت… كان النوم كملاكم هاوي في الحلبة خاليا من نزعته الغريزية، مما جعلني أرجع مرة ثانية الى غوغل ، لم أكن أنوي البحث عن شىء معيين ، ضغطت حرف واحد لا على التعيين لأجد غوغل يرميني و كأن هناك قوة آلهية جبارة سحبتني من حيث لا أعلم الى موقع لرواية تولستوي القصيرة ” ما يحتاج إليه الانسان من الأرض”
عندما أنتهيت من قراءة الرواية، صعقت من الرسالة الربانية!!!
في واقع الامر ان هذه الرواية القصيرة تصلح كلوحة من لوحات المسلسل التلفزيوني مرايا للمبدع ياسر العظمة , فهي من جهة :بسيطة ومباشرة …. لكنها صادمة من جهة آخرى , بل أستطيع أن أقول أنها تصلح أيضاً لكي تدرّس في المدارس كعمل مسرحي مهيب , فهذا العمل يتحدث عن الجشع , عن جشع رجل فلّاح يرغب في مزيد من الأرض ، هذه الرغبة التي سوف تكلفه غالياً , ولكن العمل يبدأ من زاوية أخرى , اذ ينطلق من حوار بين أختين حول حياة أهل المدينة و حياة أهل الريف , وايهما أقوم لنيل السعادة , وتعيب قاطنة الريف على قاطنة المدينة جشع سكانها و وقوعهم في مستنقع الاستهلاك اللامنتهي , وكانت تتشدق بأنها و عائلتها في الريف في غنى عن هذا ولا يضيرهم سوى نقص الأرض , وهنا يترجل بطل القصة الفلّاح باهوم ليقول ( آه لو عندي متسع من الأرض , لما أخافني الشيطان بذاته ) , ومن ثم نرافقه في رحلته في البحث عن ذلك المتسع من الأرض و نراقب تبعثر حياته في سعيه ذاك , فبعد أن باع واشترى الكثير من الأراضي الخصبة، سمع عن شعب الباشكير وقيل له إنهم أناس ذوي عقول بسيطة وبحوزتهم أراضٍ جمة ،فذهب بقصد شراء الأراضي منهم , ولكن هذا الشعب كان فطن ذكي جعل من هذا الفلاح عبرة لكل شخص “متسعه” لا يسعه أي شيء !
إذ كان للباشكير عُرْف خارج عن العادة؛ فمقابل ما مقداره ألف روبل روسي كان ينبغي عليه أن يحمل مجرافاً ويمشي ما أمكنه لكي يرسم حدود الأرض التي يريد شراءها، يبدأ من بزوغ الفجر حتى غروب الشمس، فإذا ما وصل إلى نقطة البداية قبيل غروب الشمس، أصبحت له الأرض التي رسم حدودها، أما إذا أخفق في العودة إلى نقطة البداية، فلا أرض له ولا ينبغي له أن يسترد ماله.
في نهاية هذه الرواية القصيرة سوف يقول لك تولستوي كاتب النص بالضبط مقدار الأرض التي يحتاجها هذا الرجل و كل رجل , و أنا و أنت .
نعم ؛بشكل مثير للسخرية، تمت الإجابة عن السؤال الذي عُنْوَنَت له القصة.
فهل عرفنا هذا المقدار و لمن نحتاجه؟