التمرد والعبث في رواية الموت السعيد

التمرد والعبث في رواية الموت السعيد

د. نجاح هادي كبة – كاتب وناقد عراقي 

رواية الموت السعيد للفيلسوف والروائي المسرحي الوجودي ألبير كامو الفرنسي الاصل المولود في الجزائر (1913 – 1960) وقد عكس كامو في روايته الموت السعيد (ترجمة يارا شعاع) وفي غيرها من رواياته فلسفة العبث والتمرد مما جعل رواياته اقرب للوثيقة على الرغم من قدرة كامو على الوصف الجمالي للأحداث والزمان والمكان. والمقصد من رواية الموت السعيد (إرادة السعادة) بحسب فلسفة كامو في التمرد والعبث فوجدها في قتل بطل الرواية مرسو لرولان زغرو والاستيلاء على أمواله وعشيقته (مارت) ويصاب بالبرد وهو عائد الى بيته (في اليوم التالي قتل مرسو زغرو وعاد الى منزله ونام عصر يوم بأكمله واستيقظ محموماً.. وبعد اسبوع أبحر مرسو الى مارسيليا.. ومن ليون تلقت عشيقته مارت رسالة قطيعة أرهقت كبرياءها)ص:66، ولم يشعر مرسو بأي ذنب أو تأنيب ضمير بل وجد في قتل زغرو خلاصاً له من عذاب العوق في ساقيه المقطوعتين، ولم تؤثر فيه الرسالة التي حصل عليها في اثناء قتل زغرو بخط زغرو الكبير المنمق (إنني لا اقتل إلّا نصف انسان. وفي ودّي أن لا يحمل علي أحد ضغينة بسبب ذلك ويوجد في صندوقي الصغير اكثر بكثير مما يلزم للتعويض عن اولئك الذين خدموني لحد الآن… إلخ)ص:22.

ويعلل كامو سبب فلسفة العبث والتمرد بأنه: (عبارة عن إحساس الانسان برغبته في العالم المحيط فتنعكس كثافة العالم وغربته عن عبث الوجود إضافةً الى ان الانسان يخفي في داخله شيئاً من اللاإنسانية (( أي الشر )) التي تظهر في تصرفاته وحركاته) (من الانترنيت، Maaber.org/philosop)

ويؤكد كامو على لسان أحد شخصياته (براميلي) الذي أجّر له غرفتين في سكنه أن السعادة في الاختيار حتى في الجانب السلبي منه ويظهر تأثره بمقولة سارتر: إن الانسان مسؤول عن اختياره حتى لو أظهر مخالفته للسائد من الافكار في هذا الاختيار (أما الآن فالأمر على النقيض، لقد غدا الفقر مع الوحدة بؤساً فضيعاً وحين كان مرسو يفكر بحزن في الفقيدة (والدة براميلي) كانت شفقته في الواقع ترتد إليه، كان في استطاعته، أن يسكن بطريقة أكثر رفاهية ولكنه كان متعلّقاً بهذه الشفقة وبرائحة الفقر فيها، وفي حياة كان فيها أن ينمحي، كانت هذه المجابهة القذرة والصابرة تتيح له أن يعود الى ذاته في ساعات الحزن والأسف)ص:32. ويؤكد كامو على لسان أحد شخصياته (مارت) الذاتية عند مرسو ورغبته في أن يتخلص من القلق الذي ينتابه تجاه عشيقته (كان قد طلب منها ذات يوم ان تعطيه شفتيها وهما في حافلة خاصة غاصّة بالناس وقد قدمتهما له وهي مذعورة. وكان قد قبّلها على هواه بادئاّ بمداعبتها بشفتيه ثم عاضّاً إياهما على مهل، وقالت له على الأثر (( ماذا دهاك )) افترّ وجهه بالبسمة التي كانت تحبها: الابتسامة المقتضبة التي تحمل الاجابة، فقال: (احب أن اشعر بأنني قلق، ليدخل مجدداً في صمته)ص:41، ومن تمرده وعبثيته ان ينكر الزواج في مرحلة الشباب، ص:43 ويؤكد كامو الانتحار. على لسان مرسو ويعده شيئاً كالزواج او أية فاعلية اخرى قال زغرو لمرسو: ( (( يبدو عليك التعب ))وبحياء أجاب مرسو بهذه الكلمات (( أجل إنني ضَجِر )) … وأضاف وهو ينظر الى الخارج (( أرغب في ان اتزوج أو انتحر أو أشترك في مجلة “اولوستراسبون” )) )ص:50.

وبذلك فإن كامو قد عكس في روايته (الموت السعيد) ضياع الانسان، فهو يخاطب عشيقاته (ما الذي تفعلانه؟ أخبراني عنكما وعن الشمس تحدّثا الى المسكين الذي لا يربطه شيء في أي مكان) ص:85. ولابد من الاشارة أيضاً الى ان فلسفة العبث والتمرد ظهرت بعد سيادة الفلسفة العقلانية في اوروبا ونتيجة مآسي الحرب العالمية الثانية وعدم التوافق بين الفرد والمحيط والسيطرة البطريالكية على الشعوب الاوروبية وشيوع الحداثة والتأثر بالفلسفة الوجودية وما افرزته الثورة الصناعية من فوارق طبقية وغلبة المادة على الروح وكان كامو من عائلة فقيرة ويتيماً لأب قتل بالحرب العالمية الاولى وأم مصابة بالصمم ما دفعه الى ان ينظِّر في فلسفة العبث والتمرد وفي فلسفته أو في رواياته وقصصه.

(Visited 13 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *