تعارف الارواح / نادية الكتبي

تعارف الارواح / نادية الكتبي

تعارف الارواح
نادية الكتبي
من الطبيعي ان يتعرف الناس على بعضهم البعض، حينما يجتمعون ويلتقون او عندما يضمهم مكان واحد وجها لوجه، ثم تعمق بالعلاقة بالتواصل والزيارات المتبادلة، والحوار المشترك و المجاملات في المناسبات الاجتماعية . لكن ما طرأ مؤخرا على عملية اعرف الاشخاص على بعضهم البعض ، دخول السوشيال ميديا الى حياتنا ، فقد فُقدت هذه الخاصية الاجتماعية، وتبدل الحال وكما يقال “دوام الحال من المحال ” فلم يعد هناك لقاء حسي بل أصبحت هناك علاقات افتراضية، وتوسعت العلاقات من خلال الصور و المحادثات والوسائل النصية ، والبصمات الصوتية .
وبسبب مميزات التطبيقات في السوشيال ميديا فقد عمد البعض الى تزييف الصور وتعديل النصوص،واصبح الكذب و الخداع ظاهرة طبيعية، ما دام هناك قدرة على تزييف الحقيقة .
فلا عينٌ تنظر للملامح وتُحقِّق من صدقها ولا قلب يرصد الروح بجولاته في المحادثة . وللاسف قد شاهدنا ومرت بنا ابشع الجرائم الانسانية في هذا المضمار . ولعل اغنية المطربة المرحومة ” ذكرى” تجسد هذه الظاهرة حينما تقول : ” الاسامي هي هيه والقلوب تغيرت ”
لكن ماذا عن الروح؟ فهل اذا احببنا روحا و خاطبناها من دون رؤية صاحبها سننصدم بالمظهر عند اللقاء كما يحدث مع البعض ؟ و هل التعلق بصورة شخص ما سيسقط عند اكتشاف روحه؟ فالله عز وجل قد قال في كتابه الكريم ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) وقال سبحانه وتعالى( ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي) فهل يتعذر علينا حب الناس بشكل طبيعي هذه الايام؟
وهل من الضرورة ان يتلاقى الشكل والروح سوياً ؟ كان الناس يعشقون من خلال الصوت
وبشار بن برد يقول :

يا قومي أذني لبعض الحي عاشقة

والأذن تعشق قبل العين أحيانا

‎قديماً كانت بعض الزيجات تتم عبر الوصف من قبل اهل الشاب  للفتاة ثم تطورت وصارت عبر الصور وطالما سمعنا بفشل هذا النوع من الزيجات حيث يتفاجأ الشاب او الفتاة ويتم الانفصال بينهما .
‎ الان ونحن في سنة 2022  نرى كثيرا من شباننا يعتمدون على التعارف من خلال منصات التواصل الاجتماعي لاقامة علاقات عمل او صداقة او زواج وما اكثر حالات الصدمة عندما يتم اللقاء. فهل الاستمرار بهذه المحادثات واقع مفروض ام علينا ان نعي خطورته والتوقف عن الخوض فيه؟
‎في الحقيقة علماء النفس و الاجتماع ياكدون على تاثير الشكل عند اللقاء وعادة ما يسمى بالانطباع الاول في النفس. لكن الموضوع يتخطى ذلك فكثير من الحالات عند اللقاء ينظر الشخص للاخر ويقول (و كاني اعرفك لسنوات). وهناك حالات عكس ذلك حيث يشعر المرء بالابتعاد وانقباض في الصدر عند اللقاء ونسمع عبارة (لم اشعر بارتياح لهذا الشخص) وما هذه الا ترجمة لردة فعل الروح بلقائها بالروح الاخرى.بالطبع لن اخوض بنظرية افلاطون بلقاء الارواح بعالم اخر,انما اؤكد على ضرورة حضور الروح والشكل عند اللقاء وعلى اساسه نقرر باستمرار العلاقات ايا كان اسمها اوننهيها. من هنا علينا بتوعية ابنائنا بخطورة المحادثات عبر منصات المحادثة وان خيبة الامل قد تكون هي الرائدة بردة فعل ارواحهم. فلا نستطيع ان نحب روحا بلا جسد و لا جسدا خاويا من الروح.

(Visited 37 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *