1
أحمد الخالصي
كنا في مقالنا السابق قد تناولنا مسألة الأغلبية وتعذر تطبيقها لاعتبارات عدة لا تتشكلضمن مرحلة زمنية معينة لهذا النظام إنما هي جزء من ماهيته, وبالتالي يكون الكلمسؤولا عنها وفي ذات الوقت خارج مقدرتهم حينما تكون وسيلة أحدهم بصفته الفرديةالحزبية.
في هذا المقال نفترض إن الحكومة تشكلت وفق الهيئة التي أرادتها القوائم المتفقة فيالجلسة الأولى لمجلس النواب، مع الإغفال العمدي لمسألة الإطار التنسيقي سوى من حيثانضمام جزء منه لهذا التحالف المشكل للحكومة المقبلة أو الاكتفاء بدور المعارضة التيوفق رأينا سيكون المنفذ الأوحد لهم كعلاج سياسي في ظل الانتكاسات المتتالية.
وعلى العموم سنكون أمام جملة من التحديات التي ستواجه هكذا حكومة، والتي منها:
_ الصيغة النهائية التي ستفرز بها من حيث توزيع الحصص بينهم، وحجم سيطرة القرارمن حيث خضوعه لإرادة أكبرهم عددا، أم تطويعه أي القرار ضمن الصيغة التوافقيةبالتساوي, وذلك من خلال التلويح المستمر بالانسحاب وما يترتب عليه من نتائج تربكالحكومة ويجعلها تحت رحمة ما يتشكل من تحالفات جديدة مناوئة لها, في حال الإخلالبذلك.
_عدم مراعاتها مبدأ التوازن في مسألة النفوذ الدولي من حيث التعاطي معه، سوى منحيث الميل لطرف دون آخر في تحقيق مصالحه أو السماح بفتح آفاق جديدة خارجيا تضربمصالح إحدى الأطراف الفاعلة بشكل بالغ، والمثال على ذلك واضح في تجربة بعضالحكومات السابقة في العراق, وخصوصا وإننا نمر في مرحلة مدخلات ومخرجات جديدةعلى الصعيد الدولي من حيث تراجع أهمية المنطقة كمحور صراع على الصعيد العالمينتيجة الصعود الصيني, وما يستتبع ذلك من إعادة توزيع وتموضع للقوى العالميةوالإقليمية فيها, وهذا يؤدي إلى تركيز النفوذ بصيغته السياسية والثقافية أكثر لمحاولةسد الفراغ الذي تفرضه سياسة نقل الصراع لساحات أخرى, مقابل مدخلات أخرى تظهرتدريجيا في محاولة سد الفراغ والضغط باتجاه الوصول لحلول التسوية والتي لن تكونفي نسق واحد, إنما مختلف بحسب الأهمية والقابلية للاستثمار التجاري.
_ الوضع الاقتصادي الضبابي الذي يمر به العراق, وسط المقامرة التي تجريها الدول فيأسعار النفط من خلال التحكم بمعدلات الإنتاج اليومي لها, واستخدام ذلك كورقة رابحةفي مجال العلاقات الدولية, من خلال التلويح بها بين الفينة والأخرى, وقصدت بالضبابيعدم وضوح معالم المسار الاقتصادي الذي ينتهجه العراق, سوى كان رأسماليا, اشتراكيا أومختلطا والخ…, وملحقات ذلك من بطالة ومعالجتها ( الكارثية) بالتعيينات والعقود, ومايخلفه ذلك من زيادة الأعباء العامة, دون اللجوء للحلول الصحيحة من قبيل تقوية القطاعالخاص وتنظيمه بالشكل الأمثل, وهذا الملف إذا لم يفصل عن الأحزاب كوسيلة كسبجماهيري لطالما استخدمتها, فسيبقى قنبلة موقوتة بوجه كل حكومة عراقية تتشكل.
_ الخلل الحاد في الهويتين الاجتماعية والوطنية للمجتمع العراقي, فيتضح هذا الخللمن خلال شيوع حالة التشتت في نسيجه بتغذية إعلامية مستمرة, وما يترتب على ذلك منتفاقم أسباب التنافر بشكل يؤدي في النهاية إلى جعل مسألة طرح الخلاف المذهبيبديهية محمودة بالقياس إلى ما يمكن إن نصل إليه من خلال تبلور التقسيم الحزبيلفرضية اجتماعية متجذرة, وهذا بالكاد يؤدي لأن يكون العنف عنصر متولد ومنسجم معكل التفاعلات الاجتماعية التي تحصل, مما يجعل المجتمع عبارة عن إشعاعات إذا لمتنفجر فيكفي وجودها السام, وهكذا مجتمع يصبح من الصعب على أي حكومة إن تتعاملمعه بالطرق المتعارف عليها, لأنها ستكون أمام المزاجيات العصبية, وهي عصبيات لاعلاقة لها بالقومية أو العشيرة, بقدر ما يتعلق الأمر بتماثل في مسألة المحرك لهذهالعصبية, وباختلاف اسباب البواعث لذلك, فنقطة التقائها تكمن في وحدة الإحساسالمثار كما أسلفنا وهي حالة قلقة من العصبيات التي تفضي لصعوبة التعامل معها, لأنهالا تتخذ شكلا واحدا إنما هي مجموعة مزاجيات متقلبة ومتحركة في فضائها العاطفيتبحث عمن يؤثر فيها أكثر لتندمج به بشكل مؤقت, وهذه العصبيات المرنة إذا شئناتسميتها أو المزاجية تضاف للعصبيات المتواجدة في الأصل, ولذلك يرى ابن الأزرقالأصبحي بأن ضعف الدولة يعود لكثرة العَصَبيّات, فما بالك بهكذا حالة مستحدثة غيرخاضعة للآن لمعايير ضابطة, أو هوية واضحة تجمعها؟,
وهذا ما يجعل البعض يذهب لخيار القوة, وهو أمر محظور ويؤدي إلى نتائج عكسيةتدميرية اتجاه مستخدم هذا الخيار, والشواهد في ذلك كثيرة, لأنه بالأصل لا يتعامل معكيان مادي يردع بالخوف وإن تمثل هذا الكيان بجماعات بشرية, إنما نتحدث عن كيانات تتعامل وفق روابط نفسية بالدرجة الأساس, لا تؤثر بها الطرق المادية من قبيل القوة بلعلى العكس يدعمها, لأنه يضاعف من الإحساس المشترك لهذا الكيان بمسألة الهدفالمبتغى, وكل الذي قلناه يؤدي لغياب الهوية الوطنية لصالح الاتجاهات الفرعية المكونةلها بل ونحن نشهد تغييب تدريجي لهذه الفرعيات لصالح تقسيمات جديدة ( العصبياتالمزاجية), وهو ما يشكل معضلة بوجه الحكومات المقبلة بشكل عام, نتيجة صعوبةالتعامل معها, وشبه استحالة توحيدها بما يخدم الصالح العام ككل, إنما سيصار فيهكذا وضعيات لمعالجات فردية تصطدم على الأغلب مع الآخرين, وبالتالي انتفاضهم علىذلك أيضا , وبالنهاية تكرار هذه الدائرة المفرغة من التشخيصات الخاطئة, والمفضيةلمضاعفات في التشنج الاجتماعي.