د. رقيق عبدالله || كاتب جزائري
إن حيرة الإدراك غير الواعي للمفاهيم لدى مجموع التفكير الاجتماعي لمنظومة العقل العربي جعله في حالة الاضطرار الى إدماج اهم تلك المفاهيم و تبني نقيضها، فالوطنية و المواطنة، المصلحة و المنفعة، الحق و الواجب، الانتماء و الذوبان، كانت أكثر مفاهيم الحداثة إشكالا في الفكر و الثقافة المجتمعية العربية المعاصرة.
ان المواطنة و التي هي علاقة الفرد بمجموعته و علاقة الفرد بالدولة عبر تعاقده القانوني للحقوق و الواجبات وفق الانتماء المالك للإرادة، اندمجت مع الوطنية و التي هي شعور و وجدان و انتماء روحي تتجاوز به الوطنية البُعد القانوني و التعاقدي للمواطنة المعتمد على المصلحة لا المنفعة. فالعلاقة بين المواطن والدولة هي علاقة مصلحية، بينما المنفعة أنانية شخصيّة تتعارض مع المصلحة العامة بل تفقدها فاعليتها.
ان الوطنية لا تتفاعل إلا بالعلاقة مع الدولة و ليس مع الأرض بانفرادها عن مفهوم الدولة شعوريا كما تصوره الفكر العربي.
ان الانتماء بواقع الكينونة والاعتياد والائتلاف يُشكّل احدى المكونات الشعورية للمواطنة ولكن لا يختزلها الا في حالات الاضطرار للدولة عبر التعبئة العُليا و تسمى العامة كما في الحروب والازمات.
و من هنا تتحول العلاقة بين المواطن والدولة من التعاقد ضمن المصلحة الى بذل التضحية، و تتبلور هنا الوطنية وفق قيمة اخلاقية هي الوفاء و تتموضع الى واجب ضمن ثنائية الحق و الالزام الموجب بأن حق حياة الدولة و الأجيال القادمة فوق حق حياة الفرد، و أن الحق و الواجب بالانتماء يعلو طلباً لحياة أفضل لمن يتبقى على قيد الحياة بناء على أن أي أخذ يجب أن يُقابله عطاء و هنا تمجد التضحية و تُخلد.
ان المواطن الرافض لقيمة الوفاء و واجبه العام لا تستطيع الدولة رفع المواطنة عنه وان تخلّف عن الدفاع عنها وانما يتعامل معه من خلال الخطأ والعقاب، و التقييم القانوني للفعل الاخلاقي الذي كثيرا ما يولد تناقضا و انحيازا للوطنية عن المواطنة.
ان المواطنة ليست هي جملة الامتيازات المنفعية و انما هي سلوك فاعل للانتماء عبر الارادة الواعية و الممارسة الفاعلة للحقوق و المسؤوليات الطوعية و كذا الإلزامية، كما ان الوطنية ليست حالة شعورية رومنسية التموقع في الكلمات و الشعارات و انما هي حالة حياة بها نكون او لا نكون، تحيا بداخلنا و نحيا بداخلها.