انت فنان تشكيلي ..اذن انت مشبوه

انت فنان تشكيلي ..اذن انت مشبوه

عمر الغدامسي تونس
عمر الممارسة التشكيلية في تونس لها اكثر من قرن و هذا يعني انها انتجت تجارب متنوعة و اجيال عديدة ، بالاضافة الي كتابات نقدية متنوعة . و اليوم و بغض النظر عن تقييمنا للتجارب الناشطة او الاخري الفاعلة او الواعدة ، فان المشهد التشكيلي حاضر ضمن بقية التعابير الفنية و الادبية و السؤال هنا يخص درجة المتابعة الاعلامية لهذا المشهد . تري الي اي تاريخ يعود اخر برنامج تلفزي او اذاعي تناول قضية ما تخص هذا الفن ؟ طبعا القضايا يمكننا ان نعددها و هي نقدية و جمالية و هيكلية .تخص مثلا واقع اروقة العرض الخاص و تقلص انشطتها . مشروع المتحف الوطني للفن الحديث و المعاصر . الكتابة النقدية حول الفن في بلادنا . ملامح التجارب الشبابية الجديدة و مرجعياتها ..الخ . تري الي اي تاريخ يعود اخر برنامج تلفزي او اذاعي احتفي بتجربة فنان تونسي بعمق معرفي و نقدي او حتي بصفة تقديمية تمنح لذلك الفنان حق الخطاب عن تجربته ؟ . تري ما هو تاريخ اخر منبر اذاعي او تلفزي حول احدي تلك القضايا المطروحة او غيرها ؟ هناك دون شك متابعات او تغطية لبعض المعارض و هي لا تخرج عن المتابعة الاخبارية البسيطة .
منذ شهر تقريبا عادت الجائزة الكبري لمدينة تونس و فاز بها النحات مراد بن بريكة . و منذ اسابيع اعلن معهد العالم العربي بباريس عن صدور كتاب يخص تجربة الرسام سليمان الكامل و الذي يستعد لتنظيم معرض في ذلك الصرح الثقافي الباريسي العالمي و قبله سافر الرسام ثامر الماجري الي نيويورك لمعرض شخصي و في الاثناء غادر عديد الفنانين الكبار هذه الحياة في صمت و دون علم اعلامنا ، انه نفس الصمت الذي يواكب به اعلامنا حياة هذا الفن.
ان هذا الاعلام الذي لم يمنح لتجارب هذا الفن و لاسئلته و قضاياه المكانة التي يستحق ، نجده يغادر تقاعسه و اهماله ليصبح اشبه بالسكين المغروس في جسد هذا المشهد التشكيلي ، بعجنه داخل ماكينة البوز و الاثارة وشيطنته بشكل بشع و ذلك عبر استغلال لبعض الاصوات دون غيرها . انها اصوات تم بقدرة قادر التسليم بمصداقيتها ، حتي انه لم يكن هناك وجوبا لوجود الرأي المخالف .و بنفس قدرة القدير تحول المنبر الاعلامي الي محكمة و المصدح الي مطرقة قاض . فهل كانت صفة الفنان ، هي العصا السحرية التي فتحت ابواب الاقدار . لو كان الامر علي هذه الدرجة من الميتافيزيقية ، فيحق لنا ان نطالب اعلامنا بكشف تلك الوصفة التي تجعلهم يمنحون صفة الفنان لكل من يدعيها . هل ان الفنان يقاس مثلا بقوة حبائله الصوتية ام ربما بالاقدمية و التي هي في الاساس معيار وظيفي و اداري لاحتساب الترقيات في المهنة وسن التقاعد و ما الي ذلك
من خلال تلك الاصوات تم اختصار قضايا القطاع في لجنة الشراءات و تصوير الاخيرة كمجرد كعكة و ليس الية قانونية وتشريعية و رؤية تخص دور الدولة في دعم الفن و المنتجين له ، كما هو موجود في بقية القطاعات .
ان قطاعات مثل السنيما او المسرح او الكتاب او الاغنية ، قد خاضت و لا تزال تخوض نقاشات و صراعات تصل احيانا الي حد تبادل الاتهامات و تسريب الملفات، حول الدعم ، مع ذلك فان اعلامنا لم يختصر قضايا تلك القطاعات و انشطته، في مسالة الدعم و لجانه ، كما حصل مع قطاع الفنون التشكيلية الذي تحول، لدي اعلامنا الي قطاع موبوء ترتع فيه العصابات و محكوم بالفساد . فهل نحن قطاع ينتمي لاحدي جمهوريات الموز او في دولة منهارة و بلا رقيب و بلا حسيب ، حتي يتم استحسان هذه الصورة و الاطمئنان لمصداقيتها لدي اعلامنا ؟
اننا لا نشك في اهمية قضية الدعم و التي لا طالما اثارت الكثير من الحبر ، منذ عهد الحماية و التشكيات الموثقة في مكتب المقيم العام الفرنسي و المرسلة من فنانين هم اليوم مصنفين كرواد . انها قضية مطروحة رافقتها دوما دعوات الاصلاح ، لكن ذلك لم يتحول من قضية فكرية تخص معايير الدعم و اهدافه ، لتصبح و بفضل اعلامنا اقرب الي قضية جنائية . ان المطلع الخبير بالقطاع والمتجرد من اورام التظلم و عقدة الاضطهاد و نظرية المؤامرة ،لا يمكنه ان يندفع وراء الاتهامات الجوفاء المشخصة ، الا من باب الابتزاز او النظرة المصلحية الضيقة .
في صائفة 2012 تعرض الفنانون الي تهشيم اعمالهم و الي مطاردات وصلت الي حد التهديد بالقتل و كان ذلك ضمن ما عرف بغزوة العبدلية ، نفس الاستهداف يتكرر اليوم بفضل اعلامنا و لكن هذه المرة بحرب استنزاف تقوم علي الشيطنة و تسطيح قضايا القطاع بتصويرها كمجرد صراع حول الخبز تقسيم الفنانين الي عصابات نافذة و متظلمين نهشهم الجوع .. انت فنان تشكيلي ، اذن انت مشبوه .
عموما لا يمكنني ان اعزل هذه الحالة عن ما تعيشه البلاد عامة من ترذيل و تسطيح باسم الثورة وتحت عنوان مقاومة الفساد ، فدرجة الشعبوية و الفوضي مست كل ما حولنا و كل ما حولنا سيكون مصيره التصحر .هناك طبعا اسباب يمكنني وصفها بالموضوعية ، جعلت قطاع الفنون التشكيلية اكثر هشاشة و الاقل قدرة علي مقاومة هذه الحالة الشعبوية العامة ، مقارنة ببقية القطاعات ، و هذا موضوع يحتاج الي ورقة مخصوصة .

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *