التقرير الذي اعدته منظمة «انترنيوز» سلط الضوء على اشكالية مهمة في المجتمع العراقي ، وهي الفجوة الكبيرة بين الرجال والنساء في تسلم المناصب الادارية.
فقد سجلت الاحصائيات حسب التقرير نقلاً عن بيانات صادرة من زظارة التخطيط العراقية ، وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام مقابل كل تسعة من الرجال ، وذات النسبة تتكرر لمنصب معاون مدير عام.
ويضيف التقرير «لا تختلف النسبة اعلاه حتى في الوزارات التي تحظى بنسب مشاركة عالية للنساء كوزارة التربية ، فالنسبة الاجمالية للمرأة في إدارة وزارة التربية تبلغ أقل من 10% رغم ان تلك الوزارة مع وزارة المالية وصلتا الى التوازن الجندري في عدد الموظفين بخمسين بالمائة للرجال وخمسين بالمائة للنساء».
وينقل التقرير عن الدكتورة (ل. م) التدريسية في احدى كليات جامعة السليمانية ، تعليقا على احتمال اختيار امرأة لرئاسة الجامعة ، بالقول «لن يحدث ذلك.. وان حصل ستفشل لا محالة» ، وتضيف بلهجة واثقة وهي ترتب عدة كتب شغلت طاولتها الكبيرة «هذا هو الواقع».
ردت عليها زميلتها وهي ترسم نصف ابتسامة «لماذا تعتقدين ذلك؟.. هل لمجرد كونها امراة يعني عدم قدرتها على ادارة الجامعة؟!»، ساد الصمت للحظات قبل ان تتابع «اذا كنا نحن الأكاديميات لا نؤمن بامكانية وجود امرأة واحدة قادرة على ادارة جامعة، فلا عجب من رأي الرجال!».
ويرى التقرير أنه ما تزال الفجوة بين النساء والرجال في المناصب الادارية العليا في الوزارات العراقية كبيرة جداً ، فحتى فكرة ترؤس أكاديمية لإحدى جامعات اقليم كردستان ، وهي المنطقة الأكثر انفتاحا واستقرارا في العراق ، تواجه الكثير من المعترضين والمشككين في الأوساط الأكاديمية الأفضل تعليماً.
وتكشف بيانات حكومية أن نسبة تمثيل النساء في موقع مدير عام في وزارة التعليم العراقية هي صفر%.
النظرة الاجتماعية
يرى متابعون لأوضاع المرأة ولواقع تمثيلها في مواقع القرار ، ان النساء لم تتح أمامهن الفرصة لتولي المناصب الإدارية العليا لأسباب واعتبارات عديدة ، وليس لأنهم لم يثبتوا نجاحهم في تولي وادارة تلك المواقع.
بل الأمر يرتبط بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته لدور المرأة بشكل اساسي، وينعكس ذلك بإحداث تباين وفروق بين النساء والرجال فی التأهيل والتعليم».
وترى اكاديمية عراقية ان تغيير ذلك الواقع ، بما يتطلبه أولا من تحسين حالة التوازن الجندري في الوظائف «يفرض البدء بحلول عملية واجراءات داخل الوزارات»، مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على «ضمان حق المرأة في تولي الادارات العليا ضمن فقرات الدستور، أسوة بنسبة النساء في البرلمان العراقي والمحددة بـ 25%».
وتدعو الى اطلاق مشاريع «لتأهيل المرأة من خلال دورات تدريبية لتكون مستعدة لتسلم تلك المهام ولضمان نجاج مشاركتها في المواقع العليا».
وتطالب أيضا بقيام الدولة بتحديد نسبة معينة لتوظيف النساء في القطاعين الحكومي والخاص «فحسب قانون العمل يمكن ان نشترط على الشركات والهيئات مراعاة حق النساء في التوظيف».
وهناك سببان وراء الفجوة ، هما محدودية مشاركة المرأة في المناصب الادارية العليا، الأول يتعلق بضعف الخبرات التي تحصل عليها، والثاني يعود الى ان أغلب النساء ليس لديهن رغبة في تولى المناصب الادارية.
تتفق الموظفة في وزارة التعليم العالي سهاد جبار، مع ذلك الرأي، وتقول إن «الالتزامات المنزلية لا تخلق الدافع لديها ولدى زميلاتها بتولي مناصب عليا.. نحن نرغب بانهاء عملنا سريعا والعودة الى المنزل لتأمين متطلبات العائلة، في حين يمكن للرجال قضاء ساعات اطول في العمل او حتى متابعته بعد انتهاء الدوام».
تلك الأسباب هي التي تجعل نسبة النساء في موقع مدير عام بوزارة التعليم العالي تبلغ صفرا، رغم ان التوازن الجندري متحقق فنسبة النساء عموما مقاربة لنسبة الرجال في تلك الوزارة وفق ما تظهره البيانات الرسمية.
ويتكرر التمثيل الضعيف للنساء في باقي الوزارات، فنسبة تمثيل النساء في الوظائف بوزارة الداخلية التي تعد واحدة من أكبر الوزارات العراقية كما في الإدارة العليا هي الأسوأ، فلا حضور لها في المناصب العليا ، وبعدها تأتي وزارات الصحة والشباب والهجرة التي فشلت في تحقيق التوازن الجندري بالمناصب الادارية حيث ينعدم تمثيل النساء في الادارات العليا رغم ان نسبة النساء الموظفات فيها تبلغ نحو 30%.
وتختلف الصورة في كل من مجلس القضاء الأعلى ووزارة التخطيط ، فنسبة تقلد النساء لمنصب مدير عام تبلغ 60% في مجلس القضاء، في حين تبلغ نحو 40% في وزارة التخطيط.
وتفسر موظفات واقع تمثيل النساء في تلك المواقع، بأن جزءاً منه يتربط بنظرة المجتمع وبمسؤوليات النساء في المنزل، لكن جزءا آخر يتعلق بعدم حصول عمل وتخطيط جدي لتغيير ذلك الواقع من خلال تنصيب نساء يتمتعن بالكفاءة.
وتبلغ نسبة النساء الحاصلات على شهادة البكالوريوس في جميع الوزارات اكثر من 40% من العدد الكلي للموظفين (الرجال والنساء)، وهذا يؤشر ان النساء قياسا لنسبتهن الكلية في المؤسسات الحكومية يمتلكن تعليما جيدا يفوق تعليم الرجال في وقت لا يحظين بفرص جيدة لتقلد مناصب عليا.