فينوس فائق
“كل لحظة هي فرصة للتنظيم، كل إنسان هو ناشط محتمل، و كل دقيقة هي فرصة لتغيير العالم”. دولورا هويرتا.
كثيرون هم من يحلمون بتغيير العالم على الأقل من حولهم، فعبارة تغيير العالم في هذا السياق لا تعني بالضرورة تغيير العالم الأكبر، إنما تغيير ما يحيط بنا من نظام نحن جزء منه في بقعة جغرافية معينة، قد تكون الأسرة، أو في العمل أو حتى في جزء من المجتمع الأكبر من حولنا. فالتغيير يبدأ من دواخلنا، و قبل ذلك بإيماننا بضرورة التغيير، و هذا يرتبط بمستوى وعينا، و فهمنا، لأن العالم من حولنا يجب ان يتغير وفق معطيات العصر و تطور العقل، و تطور رؤيتنا للأمور، الإجتماعية منها و السياسية، الثقافية و حتى الدينية.
عليه فإن إرادة التغيير تبدأ من فهمنا بشكل معقول إن لم يكن عميق للعالم الذي نعرفه بأنه قديم، و لم يعد صالحا لمعطيات العصر، و إيجاد نظرة جديدة تتوافق مع المتطلبات الآنية و روح العولمة و التطور الحاصل في العالم الأكبر بعيدا عنا، حتى نتجنب أن يتم تعريفنا من قبل الغير بأننا متخلفون. و التغير على هذا الأساس لا يبدأ من القشور، إنما من البذور، بمعنى التغيير لا يعني تغيير الملبس و شكل المنازل من الخارج و موديلات المركبات التي نقودها، إنما يعني التغيير الواعي ، للقيم و المباديء و محاولة إجراء التغيير على المنظومة المجتمعية، من نواحي عدة.
وفق كارل ماركس ” الفلاسفة حاولوا تفسير العالم، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى التغيير”. مع ذلك الكثير منا لا يجد نفسه معنيا بالتغيير، و لديه قناعة سطحية بأن التغيير هو مهمة الدولة، أو المؤسسات الحزبية، الدينية..ألخ.. في حين أن التغيير هو عملية شاملة مشتركة بين الحاكم و المواطن على حد سواء، و أن نتطلع إلى مستقبل لا يشبه ما مضى. حيث أن التجارب في بلداننا و بلدان غيرها، أثبتت فشل فكرة أن التغيير هو مهمة من هم في سدة الحكم، لأننا لحد الآن لم نتفق أصلا على تعريف لمفهوم السلطة و هل هي بيد من يحكم البلد أم بيد من يعطي صوته لمن يحكم البلد؟
لكي نحدد من أين نبدأ بالتغيير يجب أولا أن نصحح خطأ إرتكبناه، و هو أن السلطة في كل شيء باتت بيد الحاكم، و الشعب أصبح خارج بوتقة الحكم و بدلا من أن يكون مواطنا له كلمة و قيمة إنسانية عليا، أصبح يسمى محكوما بسلطة ترفض التغيير. و يجب أن ندرس ما يحيط بنا من أدق التفاصيل في الواقع الذي نعيش فيه، و أجدها كارثة كبيرة لو أننا نفهم الواقع المحيط بنا و لا نعيي من أين نبدأ بالتغيير أو كيف يكون التغيير. و الكارثة تكون أكبر لو أننا نتقن فقط فن الحديث عن التغيير ، أو نكتفي بالحديث عن التغيير و نطالب الآخرين بالتغيير، دون أن نكون قد بدأنا بتغيير أنفسنا و المحيط الصغير من حولنا.
قالها ستيف جوبز ببساطة شديدة: “لا يهم إن كنت أغنى رجل في العالم، بقدر ما يهمني أن أعود للفراش في المساء و أنا أشعر بأنني قمت بشيء رائع”. هذا لأن التغيير ليس بالشيء المحسوس لكي نصفه، إنما هو ما نحن عليه من إيمان و معتقدات و فكر، التغيير لا يكتمل نظريا، أنما هو ممارسة حياتية مستمرة. فمن غير الممكن أن نعيش في منظومة إجتماعية مغلقة و قائمة على مباديء لم تعد صالحة لهذا الزمن و غير قابلة التغيير و نظريا نتحدث عن سوء إدارة الدولة و الفساد المستشري في المجتمع.
فالحديث عن التغيير على هذا الأساس يجب أن يكون بصدد نظام حياتي، أخلاقي، إجتماعي مفروض، و نظام إداري لا يعنيه التغيير بقدر ما تعنيه مصالحه السياسية و الإقتصادية.
في النهاية نحن مازلنا نقارن الخطاب بالواقع، و على أرض الواقع توجد جبهتان، جبهة حملة راية العلمانية، و جبهة حملة راية الفكر الديني، و الإثنان ما يزالان يتحدثان عن التغيير فقط نظريا و وفقا للأهواء و المصالح. عليه فإن أول خطوة بنظري الشخصي هو تغيير الخطاب الذي يأتينا من الجبهتين. و الذي يفرض علينا فلسفة الحرام و الحلال و الصحيح و الخطأ. من ثم الإنتقال إلى الإجابة عن سؤال: كيف نغير العالم؟