حيدر صبي
يتوزع تركمان العراق وما بات يعرفون مؤخراً بـ ( تركمان إيلي ) بين محافظات ” كركوك , نينوى , أربيل , ديالى , السليمانية ” , وبشكلٍ اشمل هم من قاطني مناطق ( كركوك , طوزخرماتو, آمرلي , كفري , قرتبة , التون كوبري , جلولاء , السعدية , مندلي واخيراً بغداد ) .
– تأريخ دامي سكنوا العراق منذ القرن السابع الهجري , ومنذ نهاية العهد العثماني وجد اتراك العراق انفسهم كأقلية مضطهدة عرقياً ثم ليعيشوا بمراحل من المحن والويلات , اذ بعد مرور سنة من تأسيس الدولة العراقية واجهوا مجزرة مريعة في الرابع من شهر أيار \ مايو من عام 1924 , ومجزرة كاورباغي بكركوك في 12 تموز من عام 1946 , مجزرة او ما عرفت بمذبحة كركوك في تموز \ يوليو من عام 1959 , اعدام نخبة من القادة التركمان في 16 كانون الثاني عام 1980 , مجزرة التون كوبري في 28 اذار من عام 1991 (( الامر الذي دعا قادة التركمان الاحرار الى تأسيس الجبهة التركمانية في 24 ابريل من عام 1995 لتكون الممثل الوحيد عن الشعب التركماني وتطلق تسمية ” تركمان ايلي ” أي ارض التركمان في المناطق التي يتواجد فيها التركمان )) , حتى مأساة طوزخرماتو في الـ 23 -24 من آب عام 2003 , هذا غير ما مرّ به التركمان من مآسي وويلات في حقبة البعث الصدامي الذي كان من ابرز سماته انه عامل تركمان العراق بتمييز عنصري بغيض , اذ وبفترة التعريب سلبت أراضيهم وتعرضوا للتهجير من بيوتهم تلتها حملات من التنكيل والتعذيب , وزجّ حينها الالاف منهم بالسجون , انها فترة تعتبر من اقسى الفترات قساوة مرّت على الشعب التركماني , وما بعد عام 2003 واجه التركمان سياسة التكريد بحق المناطق التركمانية , ليتفاجؤوا هذه المرة بمرارة من استعداء اخوان لهم كانوا بالأمس القريب يأنون تحت وطأة نير البعث وسياساته في التعريب , ليمارسوا ذات السياسة , لدثرهم وتحجيمهم , غير فاتهم ان ” التركمان لا يموتون ابداً ولا يخرجون من بلدهم ابداً ” .
– التأريخ يعيد نفسه يبدو ان محنة تركمان العراق لن تنتهِ , وان استراتيجية اضعافهم وتحييد عملهم السياسي واستلاب حقوقهم كحق مكوناتي اصيل لازالت مستمرة , فبعد ان منّوا النفس كحال بقية الشعب العراقي بزوال حكم البعث البائد , وفي زمن كان من المفترض ان يكون ديمقراطياً بصرف , وجدنا هناك لازال اسلاف الماضيين يحملون جين الحقد والعداوة والبغضاء لهذه الامة المسالمة .
قتل وحرائق مفتعلة واقصاء سياسي وغمط للحقوق مع اقصاء وتهميش , سياسة حاضرة باتت واضحة المعالم اتجاه أبناء المكون , واما من يُشكِل علينا , فله ان يستعيد شريط الماضي القريب وليسأل نفسه لأجل ماذا قتل شيخ عشيرة البيات ” حسين علوش ” , ومن الجهة التي قامت بتصفيته بتلك الطريقة الوحشية . يقول رئيس الجبهة التركمانية السيد ” حسن توران ” بهذا الصدد ” كان شخصية مسالمة وشخصية محببة , شخصية له علاقات واسعة مع كل الأطراف .. مع انه غير منخرط بالعمل السياسي ” , مضيفاً , ” مقتله بعث برسالة للمكون التركماني ذات بعد خطير جدا وسيكون له تداعيات كبيرة لتصفيات مستقبلية , رسالة تقول ان باستطاعتنا قتلكم متى شئنا , كيف لا , ويختال الشيخ عن طريق الطائرات المسيرة وهذا يحدث لأول مرة في العراق بتصفيات مثل هذا النوع ” !!! . لكن من يقف وراء ذلك الاستهداف ؟ , يؤكد توران بالقول ” ان من قام باستهدافه هي منظمة البكه كه الإرهابية التي لها تواجد بالمنطقة ” ؟ .
حتماً لم يأتِ اتهام السيد حسن توران للبكه كه كاتهام عبطي فمن المؤكد ان لديه ادلّة دامغة تدينهم , كما ولديه ملفات ادانة أخرى على شركاء معه بالعملية السياسية , ربما لم يحن الوقت لفتحها , او ان الرجل لا يرغب بتأزيم وضع المحافظة اكثر مما تمر به من أزمات ولكم في عدم اختيار محافظ لها حتى الساعة خير دليل . وفيما اخذنا بنظر الاعتبار تواجد البكه كه في مناطق نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فهناك ما وراء الاكمه ما ورائها وان المنظمة تلك ما كانت لتتحرك بسهولة لو لا توفير غطاء لها من قبل بعض الشيفونيين المحسوبين على الحزب .. لماذا ؟؟؟؟ .
– وماذا بعد ؟
ما اِن تنتهِ مأساة للتركمان حتى لتعقبها أخرى اكثر قساوة من سابقتها , اذ تلت حادثة مقتل الشيخ البيات حادثة افتعال اشعال الحرائق في مدينة كركوك ” حريق مجمع الاطارات , حريق مجمع الألبسة ” وبطبيعة الحال فان جل من كان يعمل بالمجمعين هم من الاخوة التركمان , ثم حرق السوق التاريخي التجاري في محافظة أربيل , وانت فيم حاولت ان تَعُدّ أصحاب المحال من التركمانيين ستجدهم الأكثر ممن تضرروا ؟ . وحتى نأتِ على الحريق الاضخم لسوق كركوك الكبير , والحريق هذا اثبت بما لا يقبل الشك من ان جهات بعينها تحاول ان تضرب القطاع التجاري التركماني لتصيبه بمقتل , وأيضا لتدق اسفين الفتنة ولتقوض مبدأ التعايش السلمي في المدينة , وما يبعث عن التساؤل , ان الجهات الأمنية قد تلقت برقية بتأريخ 5/17 تفيد بنيّة مجاميع خارجة عن القانون , بإشعال حرائق في مدينة كركوك ” بالوثيقة ” , وفعلا استطاعت تلك المجاميع وبمرور يومين وتحديداً بتأريخ 5/19 من احداث حريق هائل في السوق الكبير, ليلحق الضرر بالمصالح العامة للمواطنين ” التركمان تحديداً ” وهذا ما شكل صدمة للجميع , اذ كيف لمجموعه خارجة عن القانون لها تتحدى السلطات المحلية وتنفذ تهديها ؟ , مع ان الاشعار بالحرق قد وصل للجهات الأمنية قبل ذلك , انه التقاعس عن أداء الواجب ان لم نقل ان هناك من الجهات الأمنية , ساعة غضّت الطرف عنه حتى لتكون شريكة بتلك الجريمة , او باقل منها انها ساهمت بالإخلال بأمن المدينة , فهل هناك من قام بمحاسبتها !! .
تكرار تلك الحوادث وبذات الأسلوب , بات يتطلب وقفة جادة لإعادة الهيكلية لقيادة الشرطة والمنظومة الأمنية في المحافظة , اذ من غير المعقول ان يصلك تهديد بحرق دار اخيك وانت المسؤول عن الامن , ثم لتقف مكتوف الايدي ودون تحريكٍ لساكنْ ؟؟؟ . أيضا ولحجم الضرر الفادح الذي أصاب مصدر قوت الاسر التركمانية اصبح من الواجب الوطني ان تباشر الحكومة بتعويض أصحاب المحال المتضررة من تلك الحرائق , وهذا ما طالبت به الجبهة التركمانية رئاسة الوزراء ووفق بيان لها أصدرته عقب الحادث . فهل ستستجيب الحكومة لهكذا نداء , بل وهل ستتوقف الاستهدافات التي تطال أبناء الامة التركمانية العراقية ؟؟ . . لا اظن , فلا بدّ والاستمرار بتهميش تلك الامة , سياسة ترى فيها بعض الجهات انها نافعة لتحجيمهم والتقليل من دورهم الفاعل في الحياة السياسية والاقتصادية في البلد مع انهم مُكوّن رابع وفق حسابات المنطق للتعداد السكاني والجغرافية التي يشغلونها , اذ وفي حال الاعتراف بهم كـ ” مكوّن أساس ” يصبح بالإمكان وحسب الدستور العراقي وجود مُمَثلٍ لهم في الوزارات الاتحادية ويكون من حقهم أيضا اخذ مناصب امنية وإدارية رفيعة فيها , هذا غير حقهم بشغل وزارتين باقل تقدير في حكومة إقليم كردستان العراق . ومن هنا لكم ان تعوا لماذا تعرّض ويتعرّض تركمان العراق لسياسات الاقصاء والتهميش ولهذا الكم من المظلومية ومنذ تأسيس الدولة العراقية وحتى وقتنا الحاضر .
حيـــدر صبــّي كاتب وباحث في الشأن السياسي الـنجـف الأشـرف