المحكمة الاتحادية العليا وصلاحية النظر بالطعون الانتخابية

المحكمة الاتحادية العليا وصلاحية النظر بالطعون الانتخابية

 

 

 

د.احمد عدنان الميالي

 

 

في مشهد لاول مرة يحصل في العراق بعد العام ٢٠٠٣، رؤية مرافعات من قبل رؤساء كتل واحزاب سياسية ومحاميهم امام المحكمة الاتحادية العليا العراقية بعد استمرار الجدل حول نتائج الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت يوم ١٠ تشرين الاول المنصرم، ويثار تساؤل دستوري وقانوني : هل تمتلك هذه المحكمة صلاحية النظر بالطعون الانتخابية المقدمة من قبل قادة الاحزاب والكتل السياسية والمرشحين في الانتخابات ؟ خاصة تلك المتعلقة بالتزوير والتلاعب بالنتائج ؟ ان الدستور النافذ لعام ٢٠٠٥ حدد صلاحيات المحكمة الاتحادية فق المادة ٩٣ منه بثمانية اختصاصات ، وهي الرقابة على دستورية القوانين والانظمة والتعليمات النافذة وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التني تنشأ عن تطبيق تلك القوانين والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة، وايضا الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية ، وبين حكومات الاقاليم أو المحافظات، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون . والمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب اضافة الى الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وايضا الفصل في تنازع الاختصاصات فيما بين الهيئات القضائية للاقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم . وهذه الاختصاصات مثبتة بقانون تعديل المحكمة الاتحادية رقم ٢٥ لسنة ٢٠٢١، من خلال هذه الاختصاصات يتضح ان المحكمة الاتحادية غير مختصة دستوريا وقانونيا للنظر في دعاوى تزوير الانتخابات البرلمانية لكنه قد يفهم ان صلاحية النظر في الاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية يتيح لها ذلك، مع ان اختصاصات المحكمة الاتحادية شكلية وليست موضوعية ولهذا لايجوز لها الامتناع عن المصادقة على نتائج الانتخابات ، وحتى وان كانت اختصاصات المحكمة موضوعية فلايجوز لها تغيير نتائج الانتخابات والنظر بها، بل لايتجاوز اختصاصها الحق في تدقيق وتمحيص العملية الانتخابية برمتها , للتوكد من اجرائها على وفق احكام القانون لاغير، ونحن نؤيد اتجاه واسع من الفقه، يذهب باتجاه ان اختصاصات المحكمة الاتحادية حول نتائج الانتخابات شكلية فقط.
ولهذا على الارجح قد تتجه المحكمة صوب رفض الدعوى المقدمة من قوى الاطار التنسيقي بخصوص طعون التزوير والغاء نتائج الانتخابات لانها ليست محكمة الموضوع والمعروف ان المحكمة الاتحادية تختص بالنظر في القضايا التي تنشئ عن تطبيق القوانين الاتحادية وفق شكلية معينة يرافقها تقديم دعوى حول الموضوع المتنازع عليه وهذا مااصدرته المحكمة الاتحادية ذاتها في قرارها المرقم ١٢ اتحادية ٢٠٠٩، كما انها رفضت في منازعات سابقة، فالمحكمة تختص بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة ولايقع اطلاقا ضمن اختصاصاتها النظر بالطعن بنتائج الانتخابات، حتى انها رفضت طلبات طعن عديدة في شرعية التصويت على انتخاب محافظين او اعفائهم وطعون بشرعية انتخابات نقابة المحامين والصحفيين لانها خارج اختصاصاتها الدستورية والقانونية.
بل حتى ان المحكمة اصدرت قرار رقم ٥٧ اتحادية ٢٠١٣ الذي نص بعدم دستوية النظر في قراررات صادرة عن اللجنة القضائية المشكلة في محكمة التمييز الاتحادية، كما انها اصدرت قرارها المرقم ٧٤ اتحادية ٢٠١٣ الذي نص على ان :” قرارات الهيئة القضائية للانتخابات نهائية وغير قابلة للطعن ولاتعد مخالفة للدستور..”، كما ان المحكمة نظرت بطعون انتخابية سابقة حول تزوير نتائج الانتخابات واصدرت قرارها المرقم ١٥٨ اتحادية ٢٠١٨ ، الذي نص : ” ان طلب عدم التصديق على نتائج الانتخابات التي جرت يوم ١٢-٥-٢٠١٨ لاسباب تتعلق بتزويرها او حصول خروقات انتخابية تختص فيه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وان قرارها يخضع للطعن فيه امام الهيئة القضائية للانتخابات في محكمة التمييز الاتحادية”، حتى ان المحكمة رفضت طعنا انتخابيا يتعلق باعادة احتساب صناديق الاقتراع وابطال فوز مرشحين بقرارها المرقم ١٧٨ اتحادية ٢٠١٨ كونه يخرج النظر فيه عن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا. علما ان المادة (٩٤) نصت ان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، مع ذلك اذا ماذهبت المحكمة الى قبول الطعون والنظر فيها لصالح الجهات المدعية فانه سيشكل سابقة قضائية خطيرة.
المؤشرات تدل ان النتائج سيتم المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية العليا ولن يكون هنالك مسار لالغاء النتائج واعادة الانتخابات، في اسوأ الظروف والاحوال قد تؤجل المصادقة اذا مارأت المحكمة وجود مصلحة باعادة العد الفرز اليدوي لبعض المراكز والمحطات الانتخابية او الغاء بعض النتائج فيها بشكل جزئي اذا ماثبتت الطعون والشكاوى . الجهات الطاعنة تعرف اتجاه المحكمة في هذا الشأن لن يكون في صالحها لكنها تراهن على كسب الوقت للحصول على صفقة سياسية مع الاطراف الاخرى ، وتشكيل مسار ضغط سياسي يضعها في صلب المفاوضات والتوافقات السياسية، ويصورها كقطب سياسي بارز وغير سهل.
وحتى مع هذا الرهان لن تسير الامور كما تشتهي قوى الاطار التنسيقي لان هنالك مشاهد واضحة حول التفاهمات والتحالفات السياسية مرسومة لصالح الكتلة الصدرية الذي يريد رئيس حكومة توافقي وحكومة اغلبية وطنية، وتحالف تقدم الذي يقترب من تثبيت رئيسه محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان، والحزب الديمقراطي الكردستاني الاقرب الى تثبيت مرشحه لرئاسة الجمهورية ، ويناور ائتلاف دولة القانون ليكون جزءً وطرفا في هذه المفاوضات لضمان المشاركة في الحكومة وتسيير وضع العملية السياسية، مع بروز مشهد يتمثل بتشكيل قوى معارضة سياسية في البرلمان من المستقلين وغيرهم قد ينضم اليهم من لايجد له دورا في هذا التفاهم الثلاثي.

(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *