د. احمد مشتت
كيفَ تمحى من بالنا هذه المدينة
رغم أن عشاقها يهزمهم حزن المنازل
والعصافير تحفَّظت في إطلاق بلاغاتها الصباحية
تأنت مراراً في التصويت على فرحي
وأجلتُ منذ طفولتي الراكضة خلف السراب
أَجلتُ اعترافي بأخطائها الفادحة
فليكن أنها ذات مرة ألقت بين يديَّ جحيم أيامها الشائع
وليكن أني ذات مرة أَغرقتها بالحُبِّ حتى
كَتبتْ على أَسوارِها ”خاطف لذتي”
ماذا أُسميها لأنجو من ماكياجِ غُربَتِها
أَنا الصعلوك تائه
بينَ رغبتي في الانتصار على مخالبها وبين السبت عادياً
أَخافتني عصاها نهارَ الأحد ولمْ تشع
الكنائسُ بيننا وداً
خلفتني في الاثنين اثنين قناعها وقناعي
وإحتدمنا في مساء الثلاثاء
واشتهيت الأربعاء لأني أعرف ما يليه
وصادفتها في الخميس تذهبُ مسرعة للعمل
لم تكن غصناً طرياً
فانتظرتُ آخر أيامها ببسالةٍ لم ترتجيها
هي امرأةٌ خوضت في النهر حتى خصرها
وادعت إنها جنية الماء
عنفّتنا حين أمعنا النظر في بلورها العاري
وادعت
أنها مدى من ضل
تحجزُ مقعداً في الروح لتحكم منه
وهي جائرة
لم نفرغ بعد من مداعبة خصرها
لم نفارق خبز حرمانها اللاهب
ونكتشف رغبة الماء برسم الموج أحياناً على صرامة ساقيها
شاغبتنا
شاغلتنا
وهي جائرة
هل تعلنُ للنادمين لأنهم جاؤا خطأ في مآزقها
لا سبيل للعودة
أيها النائمون على أسرتها
لا سبيل لخدش السبات
هي التي ستظل تحرسكم من حريةٍ فاشلة
أيها الواثبون على الجسر عودوا
تقول المدينة إني بخير
وثوبي ما زال أبيض
لا سبيل لإقناعها أنها ماكرة
سلمتْ أقدامها لصباغي الأحذية وهم يتهامسون
ربما المدينة أُنثى كل محنتنا
لكنهم حين ينتصف النهار يسعدهم أنها تمضي
بعيداً دون أمل
تصعدُ سلماً قُدَّ من أجسادنا
لأن شرفتها العالية عالية
وتدعي الصعود لوحدها
هل تمتلكُ مصيبة انتظار فارس أحلامها
على دبابةٍ؟
تنزل سلمها لنا
وتصيح أتى
يا جنية الماء اكذبي
ليس من المعقول أن نعود بكل الزهور التي
جئنا بها من أجلكِ
لنلبس أحذيةً عسكرية
يا جنية الماء
ليس لكِ أن تظلي رهينة سمائي
أنا العصفور حائر
كيف أطير إليكِ
حلقتُ حتى الآن بمحض صبري
لا سماء تدنو من العاجزين عن الطيران
قلتُ لأثقب الأرض فالمدينة هندسة التراب
شممتُ قبري
كيف تمحى من بالي هذه المدينة
التي اغرقتني بالحب
حتى تسمرت
امام بابها المفتوح لسواي.